ينتفى التعجب عن بلى الكتان إذا لابسه القمر الحقيقي لا الإنسان ، وربما يتوهم أن القمر هنا لا يصح أن يكون استعارة لذكر طرفي التشبيه في التركيب الذي وجد فيه ؛ لأن ضمير الغيبة فيه عائد إلى الشخص الذي أطلق عليه القمر ، والجواب أن ذكر الطرفين إنما ينافي الاستعارة بناء على ما تقدم من كون نحو قولك زيد أسد من باب التشبيه ، إن جرى لفظ المشبه به على المشبه على أنه خبر كالمثال أو نعت أو حال ؛ لأن ذلك ينبئ عن التشبيه ضرورة أنه لا يصح صدقه على ما جرى عليه ، فتقدر أداة التشبيه نفيا لما يلزم من فساد الصدق كما تقدم على ما فيه ، وأما إذا ذكر المشبه لا على وجه ينبئ عن التشبيه ، كما في البيت لعدم جريان المشبه به عليه حتى يسهل تقدير الأداة نظرا للمعنى ولما جرى به الخطاب كثيرا من وجودها لفظا فهو استعارة كقولك : سيف زيد في يد أسد وكذا قولك : لقيني زيد رأيت السيف في يد أسد فإن نحو هذا التركيب لا يتأتى فيه تقدير الأداة إلا بزيادة في التركيب ، أو نقص بحيث يتحول الكلام عن ظاهره ؛ كأن يقال رأيت في يد رجل كأسد سيفا وما يكون كذلك لا تقدر الأداة فيه فيكون لفظ المشبه به مطلقا على المشبه فتصدق عليه حقيقة الاستعارة بخلاف ما ينبئ عن التشبيه فتقدر فيه الأداة على الأصل فيبقى كل لفظ على أصله ، فلا يصدق عليه حد الاستعارة ولم يستعمل فيه المشبه به في غير معناه. وقد تقدم أن هذا يقتضى كون نحو على لجين الماء استعارة وهم صرحوا بكونه تشبيها فانظره.
(ورد) هذا الاستدلال الذي حاصله ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به فيلزم استعمال لفظ المشبه به في معناه الأصلى بذلك الادعاء (بأن الادعاء) أى : ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به حاصله المبالغة في التشبيه ، حتى يفرض الأول نفس الثاني وذلك (لا يقتضى كونها مستعملة) أى : كون اللفظ المسمى بالاستعارة مستعملا (فيما وضعت له) حقيقة لأن تقدير الشيء نفس شيء آخر لا يقتضى كونه إياه حقيقة ، فتقدير الرجل الشجاع أسدا بالإصرار على ادعاء كونه أسدا لا يصيره أسدا حقيقة ، فإطلاق الأسد على الرجل الشجاع بعد الادعاء المذكور لا يقتضى أن لفظ الأسد أطلق على السبع الحقيقي ضرورة أنه إنما أطلق على الرجل الشجاع لا على ما