استعمل في ضده) أى : هما الاستعارة التى استعملت في ضد معناها الحقيقي (أو نقيضه) أى : أو في نقيض معناها الحقيقي ، ومن تفسيرهما معا بشىء واحد يعلم أيضا كما تقدم أنهما إنما يختلفان بالقصد لا في الصورة الاستعمالية وإنما تتحقق الاستعارة التهكمية والتمليحية (ل) أجل (ما مر) أى : بسبب ما مر في التشبيه من أنه ينزل التضاد أو التناقض منزلة التناسب بواسطة تمليح أو تهكم فيقال للجبان : ما أشبهه بالأسد فى تنزيل التضاد ولمنتفى الوجود ما أشبهه بالموجود في أنفاعه ، وقد علم أن اعتبار التضاد والتناقض بحسب الوصف في هذين المثالين إذ لا تضاد ولا تناقض في الموصوف. وبيان ذلك على ما سبق في التشبيه أن إظهار الشىء في صورة ضده مما يستظرف فتحصل به الظرافة عند قصدها ومقابلة السامع بضد ما يتعلق به لا شك أن ذلك مما يفيد عدم المبالاة به وتحقير شأنه وتزداد به إهانته فيحصل بذلك تهكم به عند قصده ، وقد تقدم زيادة تحقيق لذلك هنالك فليراجع.
ثم مثل للتهكم في الاستعارة فقال (نحو) قوله تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ)(١) أى : أنذرهم فقد استعيرت البشارة أى : لفظ البشارة التى هى الإخبار بما يظهر عند الإخبار به سرورا في وجه الشخص المخبر بذلك الشىء الذي يظهر السرور للإنذار أى : استعير لفظ البشارة للإنذار الذي هو ضده أى : ضد ذلك الإخبار فيكون الإنذار هو الإخبار بما يظهر به خوف وعبوس في وجه المخبر ، حيث تضمن الإخبار الوعيد بالهلاك ، وأنه استعير لفظ البشارة للإنذار بواسطة تهكم واستهزاء بالذي أمر بإخباره ، وذلك بأن أدخل جنس الإنذار في جنس البشارة على سبيل عده مناسبا تهكما واستهزاء ، ونحو قولك في التمليح رأيت أسدا وأنت تريد جبانا على سبيل التمليح والظرافة وفهم أن التهكم أو الملاحة بقرائن الأحوال والذوق شاهد صدق على اعتبارهما في عرف البلغاء ، ولا يخفى أن البشارة والإنذار لا يجتمعان في شىء واحد من جهة واحدة بحيث يكون المبشر به هو المنذر به والمبشر هو المنذر ، بخلاف ما إذا اختلفت الجهة كإنذار العدو بما يسر الحبيب أن يقع في عدوه فيكون إنذارا للعدو
__________________
(١) التوبة : ٣٤.