لديهم أو لا وجود له أصلا ، ولو وجد واعتبر أمكن تصحيح الكلام فجعل الضمير في فشا عائدا على مطلق المجاز المركب من باب الاستخدام لكنه لم يعتبر.
فعلى كل حال قوله : كذلك لم يظهر لذكره وجه مستقيم ومثل هذا في عبارة الإيضاح (ولهذا) أي ولأجل أن أصل المثل تمثيل على سبيل الاستعارة يقال (لا تغير الأمثال) وذلك ؛ لأن أصل المثل الذي هو الاستعارة إنما حقيقتها أن ينقل نفس لفظ المشبه به إلى المشبه من غير تغيير إذ الاستعارة مأخوذة من استعارة الثوب من صاحبه ، ولا شك أن الثوب المستعار هو الذي كان عند صاحبه لا غيره ، ومتى غير اللفظ صار غير المستعار ، ولأن الألفاظ تختلف بالتغيير ولو في الهيئة وتعد ألفاظا أخرى فإذا كان هذا طريق الاستعارة ـ والمثل فرد من الاستعارة إلا أنه مخصوص بالفشو ـ وجب أن يكون على سبيلها فلو غير خرج عن كونه لفظ المشبه به فيخرج عن كونه استعارة فيلزم خروجه عن كونه مثلا ؛ لأن رفع الأعم يستلزم رفع الأخص فتغيير اللفظ يستلزم رفع كونه لفظ المشبه به ورفع لفظ المشبه به ، يستلزم رفع الاستعارة ؛ لأنها أخص منه إذ كل استعارة لفظ المشبه به وليس كل لفظ للمشبه به استعارة فيلزم من رفعه رفعها ثم يلزم من رفعها رفع ما هو أخص وهو المثل وذلك ظاهر.
ولما وجب أن لا يغير المثل وجب أن لا يلتفت إلى ما استعمل فيه وهو ما يقتضيه الحال من تذكير وتأنيث وتثنية وإفراد وجمع فيؤنث إن كان كذلك في أصله ، وإن استعمل في مقام التذكير وكذا العكس ، ويفرد إن كان أصله كذلك وإن استعمل في مقام التثنية والجمع وكذا العكس وأصل لفظ المثل هو المسمى بمورد المثل وما استعمل فيه بعد ذلك هو المسمى بمضربه فلا يلتفت إلى مقام المضرب ، وإنما المعتبر المورد للوجه الذي ذكرنا وهو التحافظ على كونه استعارة لا للتحافظ على غرابته ؛ لأن الغرابة فيه قد لا ينافيها بعض التغيير ، ونعني بفشو الاستعمال أن يستعمل كثيرا في مثل ما استعمله فيه القائل الأول مثلا قوله : الصيف ضيعت اللبن كان أصله ومورده أن امرأة تزوجت شيخا كبيرا ذا مال فكرهته فطلبت منه الطلاق فطلقها فتزوجت شابا فقيرا ثم أصابتها سنة (١) فأرسلت إلى الشيخ الأول تطلب منه اللبن فقال للرسول قل لها
__________________
(١) السنة : قحط وفقر.