والمذهب الثالث وهو أقربها وأنسبها بالتسمية اللغوية ما يفهم من كلام السلف وهو أن إيجاد الاستعارة بالكناية بأن يكون ثم لفظ قصد استعارته بعد المبالغة في التشبيه ، ولكن لا يصرح بذلك اللفظ بل بذكر رديفه الدال عليه الملازم له لينتقل منه إلى ذلك المستعار على قاعدة الكناية في أن ينتقل من اللازم المساوي إلى الملزوم فقولنا أظفار المنية نشبت بفلان ، يقصد بالأظفار فيه أن تكون كناية عن السبع المقصود استعارته للمنية كاستعارة أسد للرجل الشجاع ، فإذا استعمل بهذا القصد فقد صح أنا لم نصرح بالمستعار المقصود الذي هو السبع بل كنينا عنه ونبهنا عليه بمرادفه لينتقل منه إلى المقصود استعارته ، فيتحقق بهذا الاعتبار هنا مستعار منه وهو حقيقة الأسد الذي هو الحيوان المفترس ، والمستعار له وهو المنية ، واللفظ المستعار وهو لفظ السبع الذي لم يصرح به ، ولكن كنينا عنه برديفه ، فلفظ السبع يناسب أن يسمى استعارة على هذا لأنه منقول حكما وكونه بالكناية ومكنيا عنه برديفه أمر واضح على هذا أيضا وبنحو هذا صرح صاحب الكشاف كما فهمه عن الأقدمين حيث قال : إن من أسرار البلاغة ولطائفها يعني أن المقام إذا اقتضى الاستعارة دون الحقيقة لقصد التأكيد والمبالغة لمناسبتها لمدح أو ذم أو يكون ذلك خطاب الذكي دون الغبي ، فإن من لطائف تلك البلاغة التي هي أن يؤتي بالاستعارة المناسبة للمقام أن يسكتوا عن ذكر الشيء المستعار ثم يرمزوا إليه أي : يشيروا إليه بذكر شيء من روادفه المساوية له ، فينبهوا بذلك الرمز على مكانه ، أي : على ثبوت السبع مثلا وتقرر معناه للمنية ، وبه يعلم أن هذه الكناية من قبيل الكناية في النسبة للعلم بأن الأظفار ليست كناية عما يتصور من السبع بل عن إثباته وأنه كان معناه متحققا بالدعوى للمشبه ، وذلك نحو شجاع يفترس أقرانه ، فإن هذا الكلام فيه تنبيه على أن الشجاع ثبتت له الأسدية ورمز إلى ذلك بشيء من روادفه وهو الافتراس المستعمل في إهلاك الأقران.
لا يقال المكنى عنه على هذا هو ثبوت معنى الأسد لا لفظه فلم يكن عنه حتى يسمى استعارة بالكناية بل نقول إنما كنى في الحقيقة عن تشبيه المنية بالأسد فيعود لما ذكر المصنف من أن التخييلية أتى بها للدلالة على التشبيه ؛ لأنا نقول كون الأظفار