السفرية ومزادتها ، ووجه الشبه بينهما الشغل التام بسبب كل منهما لاستيفاء مراد الصبا واستيفاء المراد من الجهة وركوب المسالك الصعبة في كل منهما من غير مبالاة في ذلك الشغل بمهلكة تعرض فيه ، ولا احتراز عن معركة تنال فيه ، حتى قضى بذلك الشغل الوطر فأهمل آلات كل منهما ، فوجه الشبه يدخل فيه قضاء الوطر والإهمال ؛ لأن التشبيه إنما هو باعتبار الفراغ والإهمال بعده ، ويحتمل أن يريد بالصبا ما يدعو إليه من الجرائم فيكون الوجه : الشغل ؛ لاستيفاء تلك الجرائم واستيفاء المراد من الجهة إلخ.
وعلى كل فالمشترك فيه كون الشغل لمطلق الاستيفاء فصار التشبيه المذكور استعارة بالكناية لإضماره في النفس (ف) احتاج إلى قرينة من التخييل ولذلك (أثبت له) أي : للصبا بالمعنيين السابقين بعض ما هو مختص بتلك الجهة ، وأثبت له (الأفراس والرواحل) التي بها قوام الوجه في جهة السير والسفر ، وإنما قلنا إنها قوامه بناء على الغالب ؛ لأن الغالب في الجهة البعيدة التي يحتاج فيها إلى مشاق وهي المشبه بها انعدام السفر فيها بانعدام الآلات لينعدم قضاء الوطر فينعدم الوجه ، أو بناء على السير المعتبر المحقق به الوصول بسرعة ، وإلا فالسير يوجد بدونها فيكون المناسب أن بها كماله لا قوامه كما قال ؛ فصار إثبات الأفراس والرواحل بناء على هذا التشبيه تخييلا ؛ لأنها من خواص المشبه به واستعملت على حقيقتها مع المشبه.
(فالصبا) على هذا التقدير وهو أن يكون هو المشبه (من الصبوة بمعنى الميل إلى الجهل والفتوة) وقد تقدم بيان ذلك يقال : صبا بالقصر وكسر الصاد وصبوة وصبوا أي : مال إلى الجهل والفتوة ، والمراد بالفتوة : الأفعال المرتكبة في حال الشباب ، وتفسير الصبا بما ذكر موجود في الصحاح للجوهري وليس هو الصباء بفتح الصاد والمد بمعنى اللعب مع الصبيان يقال : صبى صباء بالمد كسمع سماعا إذا لعب مع الصبيان ، وإنما لم يكن كذلك ؛ لأنه لا يتأتى فيه التشبيه المذكور إلا على تكلف ، ولم نحترز بقولنا على هذا التقدير عن الاحتمال الآتي ؛ فإنه لا يتأتى فيه التشبيه بالصباء بمعنى اللعب مع الصبيان إلا بتكلف أيضا كما لا يخفى وسنشير إليه.