راكب ومركوب وركوب ، فنقل لفظ إحدى الهيئتين للأخرى فيكون من التمثيل ، وكان الأصل أن ينقل مجموع ألفاظ الهيئة المشبه بها كأن يقال في غير القرآن مثلا أولئك على مركوبهم الموصل إلى المقصود أو نحو ذلك ، لكن استغنى عن تلك الألفاظ بعلى ؛ لأنها منبئة عن راكب ومركوب ، وتقدير تلك الألفاظ لا في نظم اللفظ بل في المعنى كما تقدم نظيره في التشبيه وهو أنه يجوز حذف المشبه لا في نظم اللفظ كما في قوله تعالى (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ)(١) فإن التقدير : المؤمن كالبحر العذب والكافر كالبحر المر ، ولا يوجد في نظم التركيب إمكان هذا التقدير ، والفرق بين هذا التشبيه وبين الاستعارة إذ يخلو النظم فيها عن المشبه أيضا أن المشبه به في تشبيه لا يصح جعل المشبه مكانه إذ لا يصح هنا أن يجعل مكان البحرين المؤمن والكافر بدليل قوله تعالى (وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا) إلى آخر الآية إلا بتكلف ينافي البلاغة بخلاف الاستعارة وإذا تحقق على ما ذكر أن التمثيل يستلزم التركيب دائما لم تتخيل لهذا الجواب صحة أصلا.
والثالث : أنا لا نسلم أن التمثيل فيه استعارة مركب وإنما فيه استعارة مفرد وكلمة واحدة وقولهم" أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى" المستعار فيه هو التقديم والمستعار له هو التردد والتقديم كلمة واحدة فلا تنافي بين الاستعارة التي هي قسم من المجاز المسمى بالكلمة وبين كونه ؛ تمثيلا لأن التمثيل كلمة على هذا أيضا ، وأما إضافة هذا التقديم من جهة المعنى إلى الرجل واقتران ما أضيفت له بكون الرجل تؤخر مرة أخرى وإلف تلك الكلمة بما اقترنت به أي : موافقتها ومقارنتها بما ذكر لا يخرجها عن تسميتها كلمة ؛ فإن اللفظ المقيد لا يخرج بتقييده عن تسميته الأصلية ؛ فأصل التسمية أن التردد كتقديم الرجل مع تأخيرها ثم استعيرت هذه الكلمة المفيدة للتردد وأخذ منها الفعل تبعا ورد هذا بأن فيه سد باب التمثيل الذي هو استعارة مركب لعود مواقعه بهذا الاعتبار إلى استعارة المفرد وكيف يصح هذا
__________________
(١) فاطر : ١٢.