المكنى عنها والمنية هي الاستعارة بالكناية ، وجريان التبعية على هذا أن يجعل الحال في نطقت الحال استعارة بالكناية ويجعل نطقت قرينتها على أن يتوهم للحال صورة النطق بلسان ، فينقل لفظ النطق لها فتقرر بما ذكر أن ما جعله القوم تبعية جعله هو قرينة على المكنى عنها على أنها تخييلية وما جعلوه قرينة التبعية جعله هو استعارة بالكناية ففي قولنا نطقت الحال بكذا جعل القوم نطقت استعارة" عن دلت" فكانت تبعية ؛ لأن التشبيه في الأصل بين المصدرين أعني الدلالة والنطق والقرينة على هذه التبعية إسناد النطق إلى الحال ، فصارت الحال في الحقيقة هي القرينة وهي أعني الحال عندهم استعملت في معناها ؛ لأن الدلالة المرادة في نفس الأمر المسندة لها تقبلها وهو يجعل لفظ الحال استعارة بالكناية عن المتكلم الذي له لسان ينطق به وجعل نسبة النطق إليها قرينة الاستعارة بالكناية الموجودة في الحال فالنطق في الحقيقة هو القرينة على نحو ما ذكرنا آنفا ، وكذا قولهم : نقريهم لهذميات القوم يجعلون نقريهم استعارة تبعية واللهذميات قرينتها لما تقدم ، وهو يجعل اللهذميات استعارة بالكناية عن الأطعمة الشهية بواسطة تشبيه اللهذم بها على طريق التهكم ، ويجعل نسبة القرى إليها استعارة تخييلية بإثبات معنى وهمي هنالك يشبه إعطاء الطعام للضيف عند نزوله الذي هو القرى أو يجعلها قرينة ينقلها إلى الضرب أو الملاقاة بناء على أن القرينة تكون مجازا حقيقيا وكذا قوله تعالى (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ)(١) القوم جعلوا فعل التبشير استعارة تبعية للإنذار بواسطة التشبيه التهكمي والعذاب قرينتها ، وهو يجعل العذاب استعارة بالكناية عن الإنعام بواسطة التشبيه التهكمي ويجعل التبشير قرينتها على أنه تخييل بتقدير صورة كصورة التبشير أو على أن ينقل إلى الإنذار بواسطة التهكم بناء على أن قرينة المكنية تكون مجازا حقيقيا ، وعلى هذا القياس غير هذه الأمثلة.
وإنما اختار السكاكي ذلك إيثارا للضبط القريب بتقليل الأقسام (ورد) ما اختاره السكاكي من إدخال التبعية في المكنى عنها (بأنه) أي : بأن الشأن أو بأن السكاكي (إن
__________________
(١) التوبة : ٣٤.