صاحب الكشاف في قوله تعالى (يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ)(١) وقد تقدم بيانه وقرره صاحب المفتاح في قول القائل : أنبت الربيع البقل ، وقد تقدم بيانه أيضا ولكن هذا التوجيه في هذا الحمل لا يخفى أنه يضعف ما تقدم من أن قول القائل : إن قول السكاكي معناه استلزام التخييلية للمكنى عنها دون العكس مما تبين فساده ، وربما يستروح بما قررناه به فيما تقدم ما قد يكون عذرا في ادعاء الفساد ، فإن قلت : فما حاصل مذهب السكاكي في قرينة المكنى عنها باعتبار ما تقرر في كلامه مفرقا؟ قلت : حاصله أن قرينة الاستعارة بالكناية قد تكون استعارة تخييلية مثل أظفار المنية ونطقت الحال ؛ لأنه قرر في المثالين أن القرينة لفظ مستعار من معنى حقيقي إلى معنى وهمي فكانت تخييلية فيهما وقد تكون استعارة تحقيقية كما ذكره في قوله تعالى (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ)(٢) وذلك أنه قال : البلع استعارة عن غور الماء في الأرض وهو منقول من إدخال الطعام من الحلق إلى الجوف وقال : إن الماء استعارة بالكناية عن الغذاء الذي يأكله الحيوان ؛ لأن البلع إنما يناسب بحسب أصله الطعام ، ووجه الشبه في الاستعارتين ظاهر أما في البلع فهو إدخال ما تكون به الحياة إلى مقر خفي ، أي : من ظاهر إلى باطن من مكان معتاد للإدخال أي : من أعلى إلى أسفل ، وهذه الاستعارة في غاية الحسن لكثرة التفصيل في وجه الشبه فيها فقد روعيت جهة توجب حسن الاستعارة ، وأما في الماء فهو كون كل من الطعام والماء مما تقوم به الحياة ويتقوى به ، فالأرض تتقوى في نباتها وأشجارها بالماء ، والحيوان يتقوى بالغذاء ويدخل كل منهما بالتدريج غالبا وقد تكون حقيقة كما في أنبت الربيع البقل ولا شك أن كونها استعارة حقيقية أو تخييلية على ما قرر يدفع في وجه الجواب بالتزام كونها مجازا مرسلا دائما ، ويحقق قوله بالتبعية بعد ما تقرر لديه أنه تعسف باطل ، نعم يمكن الجواب على تأويل بعيد بما تقدم وهو أنه ينبغي على
__________________
(١) البقرة : ٢٧.
(٢) هود : ٤٤.