وكنى عنه بجعل ثبوتهما حاصلا في بينية الثوبين ؛ لأنه معلوم أن حصول المجد والكرم فيما بين الثوبين لا يخلو عن موصوف هنالك وليس إلا صاحب الثوبين ؛ لأن الكلام في الثوبين الملبوسين فأفاد الثبوت للموصوف بطريق الكناية ، والكرم والمجد مذكوران فلا يطلبان ، وإنما يطلب ثبوتهما لموصوفهما فكانت الكناية هنا مما طلب بها النسبة على ما تقدم ، وربما يتوهم أن هذا المثال من معنى طلب الصفة كما في قوله : طويل نجاده ؛ لأن في كل منهما إثباتا منسوبا لما أضيف للموصوف ، فإن المجد وقع في بينية مضافة لما أضيف للموصوف والطول أثبت للنجاد المضاف للموصوف ، ولذلك أتى بهذا المثال ليعلم أنه ليس من معنى طلب ما لصفة ، وذلك لوجهين :
أحدهما : ما أشرنا إليه من أن الصفة هنا ـ وهي المجد مثلا ـ ذكرت وكنى بنسبتها الموقعة عن نسبتها للموصوف ، والصفة هنالك وهو طول القامة لم يصرح بها وإنما صرح بما يستلزمها وهو طول النجاد ، وإثباته أغنى عن طلب ثبوت الصفة الذي ناب هو عنه فصار المطلوب نفسها لا ثبوتها.
والآخر : وهو يرجع إلى صورة التركيب ومآله لهذا أن الطول في طويل النجاد صرح بإثباته للنجاد فصار حكما عليه ووصفا له وهو قائم مقام طول القامة ، ولما أضيف النجاد إلى الموصوف فهم منه المراد بسرعة وهو طول القامة للعلم بأن من طال نجاده فقد طالت قامته ، والثبوت أغنى عنه الثبوت لما أضيف للموصوف لقيامه مقام المطلوب ، فكأن الثبوت صرح به فلا يطلب إلا نفس الصفة والمجد لم يجعل صفة للثبوت وإنما جعل واقعا بين أجزائه ، وإذا لم يكن وصفا له لم تفد إضافته كون المجد ثابتا لصاحبه الملابس له إفادة تكون كالصريح ، فتكون الكناية لطلب الصفة لوجود الثبوت ضرورة أن الثبوت لم يحصل للثبوت فضلا عن كونه كالتصريح بثبوت المجد للمضاف إليه الذي هو الموصوف فكانت الكناية لطلب الثبوت الذي هو النسبة. نعم ، لو قال : ماجد ثوبه أمكن استواؤهما على أن استلزام طول النجاد لطول القامة واضح ، واستلزام مجادة الثوب مجادة صاحبه غير واضح فلا تصح الكناية به ، والوجه الأول أوضح فليتأمل.