الفن الثالث : علم البديع
أي العلم المعلوم إضافته إلى البديع ، فالإضافة فيه عهدية ، والبديع في اللغة الغريب من بدع الشيء بضم الدال : إذا كان غاية فيما هو فيه من علم أو غيره حتى صار غريبا فيه لطيفا ، ومنه أبدع : أتى بشيء لم يتقدم له مثال ، ومنه اسمه تعالى البديع : بمعنى المبدع أي : الموجد للأشياء بلا مثال تقدم ، ولا تختص مادته بالله تعالى ، كما قيل عرفه اصطلاحا ، كما يؤخذ مما تقدم بقوله (وهو علم) أي : ملكة تحصل من ممارسة مسائله أو قواعده المقررة ؛ لأن كلا منهما يتوصل به إلى معرفة أي : جزئي من جزئياته أي : يعرف بواسطة تقرر الملكة أو القواعد في النفس ، أن هذه الجزئية الخاصة مثلا من علم البديع ، وإلى هذا أشار بقوله (يعرف به) أي : يعرف بتلك الملكة أو تلك القواعد ، وقد تقدم في صدر الكتاب تحقيق الملكة بما أغنى عن إعادته ، وعبر بالمعرفة التي تتعلق بالجزئيات ؛ للإشعار بأن متعلق الإدراك بهذا العلم هو الجزئيات بمعنى أن أي وجه من الأوجه التي هي من علم البديع يرد يعرف بهذا العلم الذي هو الملكة أنه من هذا العلم أي من جزئيات قواعده ، وإلى الجزئيات أشار بقوله (وجوه تحسين الكلام) أي يعرف به الأمور التي بها يحسن الكلام ، بمعنى أنا نتصور بتلك الملكة أو بتلك القواعد أن هذه الجزئية مما يحسن به الكلام ، وندرك ذلك عند عروضه ، ويحتمل أن يكون المعنى أن ما قرر من قواعد هذا الفن يعلم في الكتب عند الاطلاع عليها ما في ضمنها من الأوجه التي يحسن بها الكلام ، فيكون المعلوم به والمعلوم متحدين خارجا مختلفين بالاعتبار ، فهو من حيث إنه شيء قرره أهل الفن في الدفاتر أو في غيرها يعلم به ، ومن حيث الاطلاع عليه مباشرة هو المعلوم ، وهذا هو المناسب لقولهم : يتصور به أعداد أوجه التحسين ، وقوله : وجوه تحسين الكلام يحتمل أن يريد بها الوجوه السابقة في قوله وتتبعها وجوه أخر تورث الكلام حسنا ، فتكون إضافة الوجوه إلى تحسين الكلام إضافة عهدية فكأنه يقول : علم يعرف به الأوجه المشار إليها فيما تقدم ، وهي الوجوه التي تحسن الكلام ، وتورثه قبولا بعد رعاية البلاغة مع الفصاحة ، ويكون قوله على هذا (بعد رعاية المطابقة) لمقتضى الحال (و) بعد رعاية (وضوح الدلالة) تأكيدا وبيانا لما تقدم ، ومعنى