أحدهما (معنوي) أي : ينسب إلى المعنى ؛ لأنه تحسين للمعنى أولا ، وبالذات بمعنى أن ذلك التحسين قصد أن يكون تحسينا للمعنى ، وذلك القصد متعلق بتحسين المعنى أولا ، ومتعلق به لذاته ، وأما تعلق القصد بكونه تحسينا للفظ فيكون ثانيا ، وبالعرض أي : لأجل عروض كون الغرض فيه أيضا ، وإنما قلنا هكذا ؛ لأن هذه الأوجه قد يكون بعضها محسنا للفظ ، لكن القصد الأصلي منها إنما هو إلى كونها محسنة للمعنى كما في المشاكلة ، إذ هي ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبة ذلك الغير كقوله :
قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخه |
قلت اطبخوا لى جبة وقميصا (١) |
فقد عبر عن الخياطة بالطبخ ؛ لوقوعها في صحبته ، فاللفظ حسن لما فيه من إيهام المجانسة اللفظية ؛ لأن المعنى مختلف واللفظ متفق ، لكن الغرض الأصلي جعل الخياطة كطبخ المطبوخ في اقتراحها لوقوعها في صحبته ، فإن تعلق الغرض بتحسينه اللفظي المشار إليه ، فهو بالعرض وعلى وجه المرجوحية ، وقيل : إن الحسن فيها لفظي ؛ لأن منشأه اللفظ وفيه نظر ؛ لوجوب عدها حينئذ من البديع اللفظي فتأمل ، وكما في العكس كما يأتي في قوله : عادات السادات سادات العادات فإن في اللفظ شبه الجناس اللفظي لاختلاف المعنى ، ففيه التحسين اللفظي والغرض الأصلي الإخبار بعكس الإضافة مع وجود الصحة (و) ثانيهما (لفظي) أي : منسوب إلى اللفظ ؛ لأنه تحسين للفظ بالذات ، وإن تبع ذلك تحسين المعنى ؛ لأنه كلما عبر عن معنى بلفظ حسن استحسن معناه تبعا ، وإن شئت قلت في التحسين المعنوي أيضا إن كونه بالذات معناه أن ذلك هو المقصود ، ويتبعه تحسين اللفظ دائما ؛ لأنه كلما أفيد باللفظ معنى حسن تبعه حسن اللفظ الدال عليه ، قد قدم المعنوي ؛ لأن المقصود الأصلي هو المعاني والألفاظ توابع وقوالب لها ، وإنما كانت المعاني هي المقاصد ؛ لأنها مواقع الحقوق إذ بها تقع المؤاخذة ، ويحصل الغرض أخذا ودفعا وامتثالا وانتهاء وانتفاعا وإضرارا ، ولذلك يقال : لو لا المعاني ما كانت الألفاظ محتاجة ، ولا يقال : لو لا الألفاظ ما كانت المعاني محتاجة ؛ لأنه كلما توصل إلى المعنى ألغي اللفظ دون العكس فقال :
__________________
(١) البيت لأبى الرقعمق الأنطاكى ، في المصباح ص (١٩٦) ، والإيضاح ص (٢٩٧).