فوجهك كالنار في ضوئها |
وقلبي كالنار في حرها (١) |
وهذا المعنى لم يوجد هنا إذ لم يفرق بين جهتي إدخال النفوس في عدم الكلام اللهم إلا أن يراد بالتفريق مطلق ذكر الفصل بين شيئين ، وحينئذ لا يستفاد تفسيره صراحة مما تقدم ، وقد تبين بما ذكر في تقدير المستثنى أن المستثنى من أهل الشقاوة هم عصاة المؤمنين ، وهم بعض المحكوم عليهم ، استثنوا من الخلود بقطع العذاب عنهم بإخراجهم من النار وإدخالهم الجنة. والمستثنى من أهل السعادة هم العصاة أيضا ، استثنوا باعتبار الابتداء ؛ لأن الخلود لما جعل له مبدأ وهو وقت وجود الدخول في الجملة ، وجعل ما بعد المبدأ هو الاستمرار إلى غير نهاية جاز أن يستثنى منه بقطعه في الاستقبال عن البعض ، كما في الشقاوة ودخول النار وأن يستثنى منه بقطعه ابتداء كذلك ، كما في السعادة ودخول الجنة ، وهذا كما تقول : بنو فلان ينفق عليهم من يوم العيد إلى تمام السنة ، أو إلى الأبد ، إلا في الشهرين الأولين من تلك السنة ، أو من ذلك الأبد ، فلا ينفق على بعض منهم ، وعلى هذا لا يرد أن يقال : الخلود إنما هو بعد الدخول ، ودخول الجنة لا يكون بعده انقطاع ؛ لأنا لم نرد الاستثناء من وقت الدخول ، باعتبار ذلك الداخل ، بل الاستثناء من وقت الدخول في الجملة ، أعني : من وقت يقع فيه الدخول ، لا من هذا المستثنى بل ممن وقع منه الدخول ، أيا كان ، ولكن في تأويل الاستثناء في الآية الكريمة على ما ذكر تمحل من أوجه :
أحدها : أن الظاهر في استثناء الوقت انصبابه على جميع الأفراد ، فانك إذا قلت : أنفق على أولادي من يوم كذا إلى كذا إلا وقت كذا فمعناه أنك لا تنفق على المجموع في ذلك الوقت لا على البعض. وقد جعل الاستثناء في الآية باعتبار البعض ، وهم العصاة ، الذين نفذ فيهم الوعيد.
والآخر : أن في الكلام تداخلا حينئذ كما أشرنا إليه آنفا ؛ لأن المستثنى من الشقاوة هو المستثنى من السعادة ، إذ العصاة استثنوا من الخلود في النار ، فيلزم استثناؤهم من الدخول الأولى ، وكذا العكس.
__________________
(١) البيت للوطواط ، فى شرح المرشدى (٢ / ٩٣).