(خالِدِينَ فِيها) أي باقين في الجنة إلى غير نهاية ، والحال في المحلين مقدرة أي مقدرين الخلود أو مقدرا لهم الخلود ؛ لأن الخلود لا يجامع دخول إحدى الدارين وإنما بجامعه تقديره.
(ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) أي : مدة دوام السموات والأرض وفيه ما تقدم من كونها كالأرض أخروية أو دنيوية.
(إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) أي : إلا وقت مشيئة ربك ، ويتجه فيه ما تقدم في نظيره.
(عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) أي أعطوا ذلك عطاء غير منقطع فهذا المثال فيه جمع الأنفس في الحكم بعدم الكلام إلا بإذن الله تعالى ؛ لأن نفسا نكرة في سياق النفي فتعم كما ذكرنا آنفا ، وفيه تفريق ذلك المجموع بأن جعل منه الشقي والسعيد وفيه تقسيم هذا التعدد ، بأن أضيف لفريق السعادة ما له من الخلود في الجنة ، وأضيف لفريق الشقاوة ما له من الخلود في النار ، فإن قيل الشقاوة قد ذكرت أنها حكم بالنار ، والسعادة ذكرت أنها حكم بالجنة ، وهذا هو المستفاد من التقسيم هنا ، وقد تقدم أن التقسيم هو : أن يضاف لكل من المتعدد ما له مما لم يذكر أولا ، كما تقدم في قوله :
هذا على الخسف مربوط برمته |
وذا يشج إلخ (١) |
قلنا ما ذكر في التقسيم يكفي أن يكون غير ما ذكر ، ولو بالتفصيل لما أجمل أولا ، وهو هنا كذلك ، فإن كونهم في الجنة أو النار مع ذكر الخلود إلا ما شاء الله تفصيل لما حكم به وهكذا قوله : هذا مربوط وذا يشج تفصيل لما تضمنه الإجمال.
فقد تبين أن المثال مشتمل على الجمع والتفريق والتقسيم ؛ ولذلك يسمى نوع هذا المثال بما يدل على المجموع ، أما اشتماله على الجمع فظاهر ، وكذا اشتماله على التقسيم السابق فظاهر ؛ لأنه قسم المتعدد الذي هو قسم الشقاوة ، وقسم السعادة المذكورين بالتفصيل أولا بأن أضاف لكل منهما ما له. وأما اشتماله على التفريق السابق ففيه بحث ؛ لأنه كما تقدم إنما يتصور بين شيئين جمع بينهما ، ثم فرق بين جهتي إدخالهما كما في قوله :
__________________
(١) البيت للمتلمس ، وهو جرير بن عبد المسيح ، انظر شرح المرشدى على عقود الجمان (٢ / ٩٣).