أي في النار (ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) إن حملت السموات على سموات الآخرة ؛ لأنها هي الدائمة والأرض كذلك ، كما اقتضى أن للآخرة سموات وأرضا أخرى قوله تعالى : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ)(١) دل تقييد الخلود بدوامها على الأبدية ، ولكن يرد عليه أن ذلك لا يفهمه إلا من يعتقد وجود السموات للآخرة ، والمعتقد لذلك لا يفتقر إلى أن يخبر بأن الخلود بخلود السموات الأخروية ؛ لأن ذلك معتقده ، ومن لا يعتقدها لا يفيد التأبيد بها الأبدية باعتباره ، وإن حملت على سموات الدنيا والأرض كذلك لزم أنها غير دائمة ، والجواب أن التأييد بها كناية عن الأبدية كما ، يقال : لا أفعل كذا ما دام ثبير أو ما طلع نجم ، والمراد لا أفعله أبدا وهذا وارد في كلام العرب كثيرا.
(إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) أي : إلا وقت مشيئة ربك. وكون المستثنى هو الوقت إما بتقدير ما مصدرية ظرفية أي : إلا مدة مشيئة ربك أو بتقدير ما مصدرية فيقدر الوقت مضافا أي إلا وقت مشيئة ربك ، والمعنى واحد ، وهو ظاهر ، وإنما لم يجعل المستثنى غير ذلك ؛ لأن العموم قبله إنما وجد في الوقت المذكور ؛ لأن الخلود يتضمن أوقاتا لا تنتهي ، وفي الموصول الذي هو الذين ولا يتأتى الاستثناء منه هنا إلا بتكلف ؛ فلذلك جعل الاستثناء من الأوقات على التقديرين.
(إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) لا معترض عليه في مراده ، ومن ذلك تخليد البعض كالكفرة وإخراج البعض ، كالعصاة غير الكفرة. وبهذا علم أن استثناء الوقت إنما هو باعتبار بعض الأشقياء ، وهم العصاة غير الكفرة.
واعلم أن المراد بالشقاوة ما يعم الكبرى والصغرى ، وكذلك المراد بالسعادة في قوله : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ) ما يعم الكبرى والصغرى ، فدخل في الشقاوة بعض ما دخل في السعادة والعكس ، ولا يضرك ذلك التعبير بآلة الانفصال وهي" أما" لأن الانفصال يكون بمنع الخلو ، وهو موجود هنا ؛ إذ لا يخلو أمر أهل الموقف من الشقاوة والسعادة ولو اجتمعا في العاصي المؤمن باعتبارين.
__________________
(١) إبراهيم : ٤٨.