للإتيان ، ولما كان المقصود من حضور اليوم حضور ما يقع فيه ، قدر هنا مضاف أيضا ، أي : يأتي هوله وشدته ورحمته وعذابه ، فالظرف على هذا ، أعني : لفظ يوم منصوب على الظرفية بقوله (لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ) أي : لا تتكلم نفس في ذلك اليوم مما ينفع من جواب يقبل أو شفاعة تقبل (إِلَّا بِإِذْنِهِ) أي : لا تتكلم نفس إلا بإذن الله تعالى كما قال (لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً)(١) وقوله في الآية الأخرى (لا يَنْطِقُونَ* وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ)(٢) لا ينافي ما تقدم ؛ لأن المأذون فيه هو الجواب الحق المقبول ، والممنوع هو العذر الباطل الغير المقبول ، أو الأول في موقف وهذا في آخر ، وتخصيص المأذون فيه بما ينفع من جواب أو شفاعة ، إما لأن غيره لم يعذر فيه أصلا ، ولكن هذا لا يناسب قوله تعالى حكاية عنهم (ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ)(٣) وأما لأن غيره لا عبرة به فالإذن فيه أو التمكين منه لا ينفع (فَمِنْهُمْ) أي فمن أهل الموقف ، وإنما جعل معاد الضمير أهل الموقف ؛ لأن النفس في" لا تكلم نفس" نكرة في سياق النفي فتعم كل نفس في ذلك اليوم والنفوس في ذلك اليوم هي نفوس الموقف ، فاتحد المراد بالنفس بالمراد بأهل الموقف ، ولذلك فسر الضمير بأهل الموقف ، وذلك ظاهر (شَقِيٌ) أي : محكوم له بالشقاوة ، أي : وجوب النار كما اقتضاه الوعيد في الدنيا (وَ منهم (سَعِيدٌ) أي محكوم له بالسعادة أي : وجوب الجنة كما اقتضاه الوعد الحق في الدنيا (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا) أي حكم لهم بالشقاوة فهم (فَفِي النَّارِ) لأن ذلك مقتضى وجوبها (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ) أي : إخراج النفس على وجه مخصوص وهو كونه بشدة وتتابع وصوت منكر وأسف (وَشَهِيقٌ) أي : إدخال النفس على وجه مخصوص أيضا وهو كونه بشدة وتتابع وصوت منكر وأسف (خالِدِينَ فِيها)
__________________
(١) النبأ : ٣٨.
(٢) المرسلات : ٣٥ ، ٣٦.
(٣) النحل : ٢٨.