بأل ؛ للإشارة إلى مرتبتهم والامتنان بهم ، فكأنه قيل ويهب لمن يشاء الجنس المعروف لكم المعهود كما له لديكم. فأعطى للفظ الإناث مناسبة التقديم ، وأعطى للفظ الذكور مناسبة التنويه والتعريف ، ثم أتى بهما على أصل استحقاق التقديم والتأخير ، بعد بيان المناسبة الأولية في قوله تعالى : (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً) (١) ثم أتى بالقسم المقابل لهذه الثلاثة في قوله : (وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً) لا يولد له أصلا أنه عليم بالحكمة في ذلك قدير على ما يريد لا يتعاصى عليه شيء ، ففي ضمن الآية الكريمة أن الإنسان باعتبار شأن الولادة ينقسم إلى الذي لا يولد له أصلا ، وإلى الذي يولد له جنس الذكور فقط ، وإلى الذي يولد له جنس الإناث فقط ، وإلى الذي يولد له الذكور والإناث معا ، فكأنه قيل : الإنسان إما أن لا يكون له ولد أصلا ، وإما أن يكون له جنس الذكور فقط ، وإما أن يكون له جنس الإناث فقط ، وإما أن يكون له الجنسان معا.
فهذا تقسيم مستوف لأقسام الإنسان باعتبار الولادة وعدمها. ومن هذا القسم قولهم : الكلمة : اسم ، أو فعل ، أو حرف.
ومما يتأمل فيه هنا السر في الإتيان بأو فى قوله تعالى : (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ) ولم يقل : ويزوجهم بالواو كما ذكر فيما قبل هذا القسم وبعده. قيل : إن السر في ذلك أنه لما عبر بالضمير في قوله (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ) ولم يقل : يزوج من يشاء ، وأعاد الضمير على من يشاء قبله أتى بأو للإشارة إلى المباينة ، وأن هذا غير ما ذكر أولا ، والمذكور أولا هو هبة الذكور فقط ، أو الإناث فقط بخلاف ما لو عبر بالواو فإنه يفيد أن الذى اختص بالذكور أو اختص بالإناث يجمع له بين الذكور والإناث ، وليس بصحيح ؛ لأن المراد كما تقدم ذكر كل قسم على حدة ، ومفيده أو المقتضية للمباينة ، دون الواو المقتضية للجمع.
وأما الأقسام الأخرى فلما قال فيها : " يهب لمن يشاء ويجعل من يشاء" فعبر بالظاهر عن الموهوب له والمجعول له ، فهم أنها أقسام مستقلة مختلفة في نفس الأمر ؛ لأن
__________________
(١) الشورى : ٥٠.