للكناية ، وأن ذلك وجه الاعتراض وأما إن كان مراده أن كونه كناية عن ثبوت الكرم يكفي في ثبوت المراد ، ولا يحتاج إلى تطويل المسافة بأن يجرد من المخاطب كريم ثم يكنى عنه لحصول المقصود بدونه ، مع انتفاء الدليل على اعتباره ـ فلا يتم الرد إلا ببيان أن التجريد مقصود لدليل من الأدلة ، وأن المجرد هو المكنى عنه ، وقد بين ذلك بأن العدول عن الإضمار بأن يقول : لا يشرب بكفه حال كونه بخيلا مثلا إلى المدح بوصف الكرم بطريق الإظهار يدل على قصد المبالغة في المدح ؛ لأنها أنسب به كما تقدم. والمبالغة تقتضي التجريد مع ظهور التباين في التعبير بهذا الظاهر بالذوق السليم تأمله.
ويتوقف بالنسبة إلى الطرف الأول على أن المعترض يقول بصحة حمله على التجريد بواسطة كونه خطابا نفسيا ويقول بأن كلام المصنف يصح بذلك التقدير على أن يكون قسما مستقلا ؛ وذلك لأنه حينئذ يتجه أن يقال : لا يصح كونه مستقلا ؛ لدخوله فيما بعده وأما إن أراد الرد على المصنف على كل حال فكأنه يقول : إن أراد خطاب غيره فهو فاسد ؛ لكذا ، وإن أراد خطاب نفسه فلا يصح أيضا ؛ لأنه وإن كان تجريدا فهو داخل فيما بعده ؛ فكيف يصح عده مستقلا؟ فلا يرد عليه الرد المذكور قطعا ؛ لأنه نفس اعتراضه حينئذ تأمل.
فإن المكان سهل ممتنع ، والسهل الممتنع أصعب من الصعب المحض ؛ لأنه لا يغتر فيه ، ولذلك تراني في مثله أطيل النفس ، وأبسط العبارة ؛ ليتضح المراد والله الموفق بمنه وكرمه.
ثم أشار إلى التجريد الحاصل بمخاطبة الإنسان نفسه ؛ وأنه قسم من التجريد فقال.
(ومنها) أي : ومن أقسام التجريد ما تدل عليه (مخاطبة الإنسان نفسه) وذلك أن المخاطب أمام الإنسان فلا يخاطب نفسه حتى يجعل نفسه أمامه ليخاطبها ، ولا يجعلها أمامه حتى يجرد من نفسه مخاطبا آخر ، أي انتزع من نفسه شخصا آخر ، يكون مثله في الصفة التي سيق الكلام لبيانها ، وبيان ما يلائمها ؛ ليتمكن له خطابه فمخاطبة