بلوغه في الشدة والضعف لحد مستحيل أو مستبعد ليعلم بذلك أن مبناه في أحدهما فلا بد فيه حينئذ من التعبير عن الواقع من تلك الصفة بعبارة موضوعة لأكثر منه على سبيل المجاز ، فأنت إذا قلت عن شخص كثير الرحمة هو رحيم فهذه ليست مبالغة ؛ لأنك أخبرت عنه باشتماله من الصفة على الكثرة التي هي موضوع رحيم كما أنك إذا قلت عنه إنه كثير الرحمة لم تبالغ وكما أنك إذا قلت عندي ألف ليس فيه مبالغة بالنسبة إلى من قال عندي واحد ، ولا بد في المبالغة من تجوز. نعم تحسن المبالغة إذا قلت زيد رحيم ولم يكن كثير الرحمة بل أردت أن تبالغ في الرحمة اليسيرة الواقعة منه لغرض من الأغراض فهذه حينئذ مبالغة وكذلك إذا قلت عندي ألف رجل وأردت مائة تعظيما لهم فقد تبين بذلك أن هذه الألفاظ ليست موضوعة للمبالغة البديعية وأن من يطلق عليه المبالغة فذلك بحسب اصطلاح النحاة واللغويين نظرا إلى ما دل عليه بالنسبة إلى ما دلّ عليه مطلق اسم الفاعل ، فليتأمل.
ثم قال الرمّانى : من المبالغة التعبير بالصفة العامة فى موضع الخاصة كقوله عزوجل (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)(١) قال وكقول القائل أتاني الناس ولعله لا يكون أتاه إلا خمسة فاستكثرهم وبالغ في العبارة عنهم قلت هذا صحيح إلا أن التقييد بالخمسة لا أدري مستنده فيه ، وقد أطلق الناس على واحد كقوله تعالى (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ)(٢) وأريد نعيم ابن مسعود على ما ذكره جماعة على أن الشافعي رضياللهعنه نص على أن اسم الناس يقع على ثلاثة فما فوقها ، وأن المراد بالناس في قوله تعالى (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) أربعة ، ثم جعل الرماني من المبالغة : إخراج الكلام مخرج الإخبار عن الأعظم للمبالغة كقوله تعالى (وَجاءَ رَبُّكَ)(٣)(فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ)(٤) وإن كان المراد جاء أمره وجعل من المبالغة إخراج الممكن إلى الممتنع مثل
__________________
(١) الأنعام : ١٠٢.
(٢) آل عمران : ٧٣.
(٣) الفجر : ٢٢.
(٤) النحل : ٢٦.