فتقرر بهذا أن المثال إن حمل على ما يفهم عرفا من التركيب عاد إلى القسم الأول ، وهو تكون في الصفة ثابتة عللت بعلة غير مطابقة. فالصفة الثابتة الحالة الشبيهة بالانتطاق والعلة نية خدمة الممدوح ، وإن تؤول على العكس أي على أن تكون العلة الانتطاق والمعلول النية صحة على أن يراد بالعلة علة العلم ودليله ، ولكن فيه تمحل كما تقدم ، وحمله على الظاهر مع إدعاء كون الانتطاق صفة غير ثابتة يرده كلام المصنف في الإيضاح ، ويرده أن المراد بالانتطاق محسوس ، وإن كانت الدلالة عليه مجازا.
وقد تم بهذين القسمين الأربعة السابقة وأعني بالقسمين : ما تكون فيه غير الثابتة ممكنة كما تقدم ، وما تكون غير ممكنة كما في هذا المثال ؛ لأن نية خدمة الممدوح محالة من الجوزاء. فافهم.
ولما كان تعريف حسن التعليل إنما يشمل بحسب الظاهر ما فيه وجود العلة على وجه الشك ذكره ملحقا بما تقدم فقال (وألحق به) أي وألحق بحسن التعليل (ما يبنى على الشك) أي الإتيان بعلة ترتب الإتيان بها على الشك فيؤتى في الكلام بما يدل على الشك وإنما لم يجعل من حسن التعليل حقيقة ؛ لأن العلة لما كانت غير مطابقة وأتى بها لإظهار أنها علة لما فيه من المناسبة المستظرفة لم يناسب فيها إلا الإصرار على إدعاء التحقق وعلى ذلك يحمل التعريف كما هو الأصل. وأشرنا إليه آنفا والشك ينافي ذلك ثم مثل لهذا الملحق فقال (كقوله) أي كقول أبي تمام :
ربي شفعت ريح الصبا لرياضها |
إلى المزن حتى جادها وهو هامع (١) |
|
كأن السحاب الغر غيبن تحتها |
حبيبا فما ترقا لهن مدامع |
والضمير في تحتها يعود إلى الربى جمع ربوة ، وهي ما ارتفع من الأرض ، والمزن معلوم ، والهامع منه هو الغزير المطر ، وجاد بالدال أي بالجود بفتح الجيم وهو المطر الكثير ، يقال : جاد السحاب الأرض فهي مجيدة إذا أصابها بالجود ، والغر جمع أغر ، وهو في الأصل الأبيض الجبهة ، والمراد به هنا مطلق الأبيض ؛ لأن السحاب الممطر الأبيض
__________________
(١) البيتان لأبى تمام فى ديوانه ص (٤٢٥) ، والإيضاح (٣١٤) ، والمصباح ص (٢٤٢).