عيبا إلا عيبا واحدا هو حسن الخلق إن كان حسن الخلق عيبا ، ولذلك سر ، وهو أن هذا التعليق يفيد فائدتين :
إحداهما : ثبوت المدح ببينة كما تقدم.
والأخرى : تقريب الاستثناء من الاتصال الحقيقي الذي هو الأصل ؛ لأنه إنما استثنى الكرم في المثال على
تقدير كونه عيبا وعلى ذلك التقدير يكون الاستثناء متصلا ، وإن كان الاستثناء بحسب الظاهر ظاهر الانفصال فتأمل.
(والثاني) من ضربي تأكيد المدح بما يشبه الذم ، وهو المفضول منهما هو : (أن يثبت لشيء صفة مدح وتعقب) تلك الصفة (بأداة استثناء) ومعنى تعقيب الصفة بأداة أن تذكر تلك الأداة بعقب إثبات تلك الصفة الموجبة لذلك الشيء. (تليها) أي تذكر تلك الأداة حال كونها تليها أي تأتي بعدها (صفة مدح أخرى) كائنة (له) أي : لذلك الشيء الموصوف بالأولى ، ويؤخذ من مثالهم هنا لهذا الضرب : أن الصفة الثانية لا بد أن تكون مما يؤكد الأولى ، ولو بطريق اللزوم ، حتى لو قيل مثلا : زيد كريم ، غير أنه حسن الوجه ، لم يكن من هذا الباب ، وإنما يكون من هذا الباب نحو قولك : أنا أعلم الناس بالنحو غير أنى أحرر منه أبواب التصريف ؛ لأن إثبات الصفة في مقام المدح يشعر بإثباتها على وجه الكمال المقتضي لانتفاء جميع أوجه النقصان عن تلك الصفة ، فإذا أتى بأداة الاستثناء وسيق بعدها ما أشعر به ثبوت الصفة على وجه الكمال بأن يثبت بتلك الصفة ـ المأتي بها ثانيا ـ وجه من أوجه الكمال ، جاء التأكيد ويحتمل أن يكون ما ذكر منه نظرا إلى التقاء الصفتين في المدحية ، فيحصل المراد بحصول مجرد التأكيد في المدح ؛ بسبب مجرد ذكر مطلق الصفة المدحية ، ولو لم تكن مما يلائم المذكورة أولا ، وربما يدل عليه ما يأتي في قوله :
هو البدر إلا أنه البحر زاخرا.
(نحو) أي مثل أن يقال : (أنا أفصح العرب بيد أنى من قريش) (١) فإن إثبات الأفصحية على جميع العرب يشعر بكمالها ، والإتيان بأداة الاستثناء بعدها يشعر بأنه
__________________
(١) أورده العجلونى فى كشف الخفاء (١ / ٢٠١) ، وقال : قال فى اللآلئ : معناه صحيح ، ولكن لا أصل له.