الفواصل والأسجاع من واد واحد فيبقى ذكر القوافي ويدل على أنه ليس مرادا أنه لو أراد ما ذكر لكان المناسب أن يقول : ما ليس بلازم فيهما بالإضمار ، والروي في البيت هو الحرف الأخير من القافية الذي تنسب إليه القصيدة ، فيقال هذه القصيدة رائية إن كان حرف قافيتها راء أو لامية إن كان لاما أو دالية إن كان دالا ، وهكذا جميع الحروف وهو مأخوذ إما من رويت الحبل إذا فتلته لأنه يجمع بين الأبيات كما أن الفتل يجمع بين قوى الحبل أي : طاقته وهي خيوطه المعدة لفتله ، والغالب أن يكون كل منها مجموعا من عدة خيوط ، وإما مأخوذ من رويت البعير إذا شددت عليه الرواء بكسر الراء وهو الحبل الذي يجمع بين الأحمال ، لجمع الحرف بين الأبيات أو من رويت إذا شربت حتى أذهبت العطش ؛ لأن الحرف إذا وجد في القصيدة على وجهه أغنى عن طلب غيره ، ولذلك كان الإتيان بآخر قبله من لزوم ما لا يلزم ثم المراد بالإتيان بحرف آخر قبل الروي أو قبل ما يجري مجراه أن يؤتى به في بيتين أو في فاصلتين فأكثر كما سيأتي في التمثيل ؛ لأنه لو لم يشترط وجوده في أكثر من بيت أو فاصلة لم يخل بيت أو فاصلة منه ؛ لأنه لا بد أن يؤتى قبل حرف الروي بحرف لا يلزم في السجع فقوله مثلا :
قفا نبك من ذكري حبيب ومنزل |
بسقط اللوى بين الدخول فحومل (١) |
قد جيء قبل الروي بالميم وهي حرف لا يلزم في السجع ، وعليه يكون البيت من هذا النوع وليس كذلك وإنما الإتيان المذكور من هذا النوع إن التزم في بيتين فأكثر أو في فاصلتين فأكثر واللزوم في السجع هو حرف واحد آخر تبنى عليه الفواصل ، ولا يشترط بناؤها على حرف آخر يلتزم فيها كما التزم هو فلزوم ما لا يلزم هو لزوم حرف آخر في بيتين أو في فاصلتين فأكثر قبل الأخير كما التزم ذلك الأخير وقد فهم من هذا أنه يجري في الشعر والنثر فهو في النثر (نحو) قوله تعالى (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ)(٢) فالراء في تقهر وتنهر بمنزلة الروي من القافية في التواطؤ على الختم به وهو كاف في باب السجع في الفواصل إذ لا يشترط فيه إلا
__________________
(١) البيت لامرئ القيس في معلقته المشهورة ، وديوانه ص (١١٠) ، وشرح عقود الجمان (٢ / ١٩٢).
(٢) الضحى : ٩ ـ ١٠.