أعني ـ كون الإنسان متهلل الوجه ، وكون ذلك التهلل بسبب ، وكون ذلك السبب هو ورود السائلين ينتقل منها إلى الوصف بالجود ، فالوصف بالهيئات لذات الجواد ؛ لينتقل منه إلى وصفه بالجود لا بما يشعر بالجود حتى يكون الانتقال غير مفيد ، ويجري مجرى ذلك ذكر الهيئة الواحدة وإنما جمعها باعتبار كون الجمع أظهر ، كما في مضمون المثال ، أو باعتبار الوقائع.
(و) كوصف (البخيل بالعبوس) وهو تلون الوجه تلونا يدل على الاغتمام عند ورود العفاة (مع سعة ذات اليد) أي : وصفه بالعبوس لأجل ذلك في وقت وجود سعة ذات اليد ، أي : الغنى وكثرة المال فإن ذكر هذه الهيئات ، أعنى : كونه عبوسا ، وكون ذلك عند ورود العفاة ، وكون ذلك عند سعة اليد يدل على البخل فهذا من الدلالة الكنائية أيضا ، وإنما قيد بوجود سعة ذات اليد ؛ لأن العبوس عند ذلك هو الدال على البخل ، وأما العبوس عند الفقر فهو يدل على الجود ؛ لأن عبوسه يدل على تأسفه على ما فات من مراتب السخاء بعدم وجدان المال ، وأما البخيل فهو يرتاح لذلك العذر ويطمئن به ، فلا يتصور منه العبوس إذا كان الاختلاف في وجه الدلالة من حقيقة كتشبيه أو تجوز ككناية أو مجاز استعارة أو إرسال (ف) حينئذ (إن اشترك الناس في معرفته) أي : في معرفة وجه الدلالة (لاستقراره) أي : ذلك الوجه (فيهما) أي في نفوس الناس ، وفي عقولهم وعاداتهم ، لشيوعه قديما وحديثا حتى صار شيئا تداولته الخاصة والعامة وذلك (كتشبيه) الرجل (الشجاع بالأسد) أي : في الشجاعة (و) تشبيه الرجل (الجواد بالبحر) في الكرم (فهو) أي : فذلك الوجه المتفق عليه العام الإدراك (كالأول) أي كالاتفاق في نفس الغرض العام في أنه لا يعد سرقة ولا أخذا ولا نحو ذلك لتساوي الناس فيه كالأول وقد علم من هذا أن الاتفاق الذي يحصل فيه التفاوت أو عدمه يكون في نفس الوجه كالتشبيه كما ذكر أو كالمجاز المخصوص أو الكناية ولا يراعى عند اختلاف الوجه إلا جهة المعنى كأن يقع فيه التشبيه لشخص ويقع فيه التجوز لآخر فيكون قسما آخر اختلف فيه الوجه واتفق المعنى فهو إما عام أو خاص والأمور المعتبرة هنا ثلاثة : الاتفاق في المعنى مع اتحاد الوجه ، والاتفاق في المعنى مع الاختلاف في الوجه ،