الأخذ) من الأول ، بمعنى أنه يجوز أن يكون اتفاقهما بسبب ورود خاطر هو ذلك اللفظ ، وذلك المعنى على قلب الثاني ولسانه كما ورد على الأول من غير سبق الشعور بالأول ، حتى يقصد الأخذ منه ، ويحتمل أن يراد بالخواطر العقول ، فيكون المعنى أنه يجوز أن يكون الاتفاق من توارد عقلين على أمر واحد أي : ورودهما عليه وتلقيهما إياه من مدد التوفيق من غير أن يستعين الثاني بالأول لعدم شعوره بقوله حتى يقصد الأخذ عنه ، كما يحكى عن ابن ميادة وهو اسم امرأة أنه أنشد لنفسه
مفيد ومتلاف إذا ما أتيته |
تهلل واهتز اهتزازا المهند (١) |
أي : يفيد هذا الممدوح أموالا للناس ويتلفهما على نفسه ، إذا ما أتيته أي : إذا أتيت هذا الممدوح تهلل أي : تنور وجهه فرحا بسؤالك إياه ، لما جبل عليه من الكرم واهتز بأريحية إرادة العطاء اهتزاز السيف المهند في البريق والإشراق ، فلما أنشد هذا البيت قيل له أين يذهب بك هذا للحطيئة؟ أي : قد ضللت في ادعائك لنفسك ما هو لغيرك كيف تذهب؟ وكيف عذر تنفصل به؟ أي : لا عذر لك في هذا الضلال. يقال للضال الذي لا منفذ له إلى الانفصال عن الورطة : أين تذهب بنفسك؟ أي : أنت ضال لا سبيل لك إلى الخروج ما دمت على ما أنت عليه فقال ابن ميادة : الآن علمت أني شاعر أي : حين وافقت من سلم له الشعر في اللفظ والمعنى ، مع أنى لم أسمعه ، ولم أنقله عن صاحبه.
ومثل هذا ما روي أن الفرزدق لما ضرب الأسير بأمر سليمان بن عبد الملك فنبا عنه السيف ثم قال كأني بجرير يهجوني إذا سمع بهذا ويقول :
بسيف أبي رغوان سيف مجاشع |
ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم (٢) |
فلما حضر جرير أخبر الخبر فأنشد البيت ثم قال كأني بالفرزدق قد أجابني فقال :
__________________
(١) البيت فى شرح المرشدى على عقود الجمان (٢ / ٢٨١) ، وهو لابن ميادة ، والإيضاح ص (٣٥٨).
(٢) البيت فى شرح المرشدى على عقود الجمان (٢ / ١٨١).