إلا بعد مزيد التأمل وإمعان النظر (كان أقرب إلى القبول) مما ليس كذلك ، وذلك أنه يصير بتلك الخصوصيات المزيدة أبعد من الاتباع ، وأدخل في الابتداء ؛ لما ذكرنا. وتقرر أن زيادة اللطائف تخرج عن الجنس ، ألا ترى إلى قول أبي نواس :
وليس على الله بمستنكر |
أن يجمع العالم في واحد |
مع أصله فيما تقدم وهو قوله :
إذا غضبت عليك بنو تميم |
وجدت الناس كلهم غضابا |
فإنه لا يفهم أن الأول من الثاني إلا بإمعان النظر ، واعتبار اللوازم كما تقدم ، وذلك أنه أخذ مجرد إقامة الشيء مقام الكثير فكساه بكسوة أرفع من الأولى ، وجعل ذلك منسوبا لقدرة القاهر الحكيم ، وإنه لا يستنكر منه جعل ذلك في فرد واحد من جميع العالم ، فكان أبعد من إقامة بنى تميم مقام الناس في الغضب والرضا.
(هذا) الذي ذكر في الظاهر وغيره من ادعاء سبق أحدهما للآخر ، وادعاء أخذ الثاني من الأول ، وحينئذ يتفرع على ذلك كون الثاني مقبولا أو مردودا ، ويتفرع على ذلك أيضا تسمية كل من الأقسام السابقة بالأسامي المذكورة (كله) أي : كل ذلك إنما هو (إذا علم أن الثاني أخذ من الأول) يعنى أن جعل الكلام الثاني سرقة ومأخوذا من الأول ، إنما يترتب ويحكم به فيتفرع عليه كونه مقبولا أولا ، وتسميته بما تقدم إن علم أن الثاني أخذ عن الأول إما بإخباره عن نفسه أنه أخذ ، أو يعلم أنه كان حافظ للكلام الأول قبل أن يقول هذا القول الثاني ، واستمر حفظه إلى وقت نظمه هذا الثاني ، كأن يشهد شاهد أنه أنشد له الكلام الأول قبل قوله إنشادا أيظن به حفظه واستمراره إلى وقت النظم ، وإنما اشترط استمرار العلم إلى وقت القول ؛ لأنه إن ذهب عن الحافظة جملة فينبغي أن يعد من توارد الخواطر ، وإن كان أقرب إلى الأخذ من محض التوارد.
وأما إن لم يعلم أخذه من الأول ، ولا ظن ظنا قريبا من العلم فلا يحكم على الثاني بأنه سرقة ولا أخذ ، لا بالقبول ولا بعدمه ، وذلك (لجواز أن يكون الاتفاق) بين القائل الأول والثاني في اللفظ والمعنى أو في المعنى وحده كلا أو بعضا (من توارد الخواطر أي : مجيئه) أي : الخاطر (على سبيل الاتفاق من غير قصد) أي : بلا قصد من الثاني (إلى