مأخوذ من الرقة التي هي الرحمة ويحتمل أن تكون النار مرفوعة على الابتداء ، وتلتظي خبره ، وإنما صحت هذه الأوجه ؛ لأنه ليس المراد أحد هذه المعاني على الخصوص ، وإنما المراد الإشارة إلى بيت صحب فيه عمرو ذكر النار ، وذكر الرمضاء فصح مع ذلك كل إعراب ؛ إذ لم يعين المعنى.
(وأحفى) من حفي عليه تلطف وتشفق عليه يعنى أن عمرا الكائن مع ذكر الرمضاء والنار أرق وأحفى (منك في ساعة الكرب) وقد (أشار) بذلك (إلى البيت المشهور) وهو قوله (المستجير بعمرو عند كربته) أي : الذي يستغيث بعمرو في وقت كربته ، فالضمير يعود على الموصول (كالمستجير من الرمضاء بالنار) أي : كالفار من الأرض الرمضاء إلى النار ، ولهذا البيت قصة وهى : أن امرأة تسمى البسوس ذهبت لزيارة أختها وهى أم جساس بن مرة ، ومعها ناقة لجار لهم ، وكان كليب من كبار تغلب ، وجساس المذكور من بكر ، وحمى كليب أرضا فلا يرعى فيها غيره إلا إبل جساس ، لمصاهرة بينهما ، ثم خرجت ناقة الجار التي مع خالته في إبل جساس فأبصرها كليب وعرف أنها ليست من إبل جساس فرماها وأبطل ضرعها فرجعت حتى بركت بفناء جساس وضرعها يشخب دما ولبنا ، فصاحت البسوس وا ذلاه وا غربتاه فقال جساس : اسكتي يا حرة والله لأعقرن فحلا هو أعز على أهله منها فلم يزل جساس يتوقع غرة كليب حتى خرج وبعد عن الحي فركب جساس فرسه حتى لحقه فرمى ظهره فسقط فقال يا جساس أغثني بشربة ماء فقال جساس تركت الماء وراءك فولى عنه وأتبعه عمرو بن الحارث حتى وصل إليه فقال له يا عمرو أغثني بشربة ماء فأجهز عليه فقيل :
المستجير بعمرو عند كربته |
كالمستجير من الرمضاء بالنار |
وإليه يشير بقوله : لعمرو مع الرمضاء إلخ ، ونشبت الحرب بين بكر وتغلب أربعين سنة كلها لتغلب على بكر ، ولذلك قيل في المثل : أشأم من البسوس ، وبما ذكرناه يعلم أنه ليس المراد بعمرو جساسا كما قيل : بل المراد به عمرو بن الحارث ، فهذان مثالان للتلميح في النظم إلى الشعر ، أو القصة ، وأما مثاله في النظم إلى المثل فكقوله :