(في ثلاثة مواضع) أي : ينبغي للمتكلم أن يجتهد في طلب أحسن الكلام ؛ ليأتي به في ثلاثة مواضع من كلامه (حتى تكون) تلك المواضع الثلاثة من كلامه (أعذب لفظ) من غيرها ، وعذوبة اللفظ حسنه ، وهو يشمل ما يكمل به حسنه وحلاوته من كل وجه ، ولكن خص تفسير أعذبيته هنا بكونه غاية في البعد عن التنافر واستثقال الطبع ؛ لأن العذب الحسي يقابله حسا ما ينافر الطبع ويثقل عليه ، فناسب تخصيصه بهذا المعنى لما ذكر مع ما في ذلك من الخروج عن التكرار بما بعده.
(و) حتى تكون المواضع الثلاثة أيضا (أحسن سبكا) من غيرها ، وحسن سبك اللفظ أيضا حسن صياغته أي : إيجاد تركيبه ، وإيجاد ذاته ، فهو أيضا بهذا الاعتبار يشمل أوجه حسنه من قبل نفسه ومعناه ، ولكن خصت أحسنية سبكه هنا بكونه غاية في البعد عن التعقيد اللفظي وعن التقديم والتأخير الملبس ، وتكون الألفاظ متقاربة في الجزالة وهى ضد الركاكة والمتانة وهى بمعنى الجزالة والرقة والسلاسة ، وهما بمعنى لطف اللفظ وتناسبه ضد الغلظ المستقبح والتقطع المستكره ، وبكون المعاني مناسبة لألفاظها ؛ وذلك بأن لا يكسى اللفظ الشريف المعنى الخسيس ، كأن يكون بألفاظ مجنسة لمعان ترمى بالعراء ؛ لعدم مطابقتها للمراد ، أو العكس كمعنى شريف عليه لفظ سخيف كألفاظ غريبة متنافرة الحروف لمعنى مطابق ، وإنما ينبغي أن يصاغ اللفظ والمعنى بالتناسب والتلاؤم ، فيكون اللفظ شريفا والمعنى كذلك ، وحاصل هذه الجمل المفسر بها حسن السبك ، أن يكون اللفظ فصيحا لا تعقيد فيه ولا شيء يخل بالفصاحة ولا ابتذال فيه مع معنى مرعى فيه ما ينبغي لمطابقته مقتضى الحال ؛ لأن جزالة اللفظ ورقته وسلاسته ترجع إلى نفى الابتذال والتنافر ، وكون المعنى شريفا واللفظ شريفا يرجع إلى المطابقة مع السلامة مما يخل بالفصاحة ، وإنما خص حسن السبك بنفى ما يخل بالفصاحة مع معنى مطابق ؛ لأن حسن سبك الحلي مثلا الذي هو المحسوس إنما يقابله عدم الالتئام أو الالتئام على وجه مستكره ، ولا يخفاك أن حسن السبك على هذا أخص من عذوبة اللفظ ، فإن قلت : فحسن السبك على هذا لا أخصية في تفسيره ؛ لشموله جميع أنواع الحسن ، قلت : بل بقى أنواع البديعيات ، وهى مما يحسن السبك ، فإن قلت : فعلى هذا