أريقك أم ماء الغمامة أم خمر |
بفي برود وهو في كبدي جمر (١) |
تدله في ريق المحبوب فتجاهل ، فكأنه التبس عليه هل هو ريق أم زلال أم خمر وأخبر بأنه في فمه له غاية العذوبة والبرودة ، وفي قلبه جمر ؛ لأنه يزيد القلب ولوعا وحبا يحترق به كالجمر ، وكذا قوله في الرفق والرحمة :
أتظنني من زلة أتعتب |
قلبي عليك أرق مما تحسب (٢) |
أي : لا أعاتبك على زلة ، ولا تظن ذلك يصدر منى ؛ فإن قلبي عليك شديد الشفقة فهو أكثر مما تحسب في الرفق والرحمة.
(وينبغي أن يتجنب في المديح) أو الغزل عند خطاب من يتوقع منه التطير ، وهو غير مراد (ما يتطير) أي : الكلام الذي يتشاءم (به) وهو نائب فاعل يتجنب (كقوله : موعد أحبابك بالفرقة غد) (٣) وهو مطلع قصيدة لابن مقاتل الضرير أنشدها للداعي العلوي ، فقال له الداعي : حين تشاءم بما ذكر موعد أحبابك أنت يا أعمى ولك المثل السوء أي : الحال القبيح ، وكقول : ذي الرمة بين يدي هشام بن عبد الملك :
ما بال عينك منها الدمع ينسكب (٤)
فقال له هشام ، بل عينك أنت ، ولما بنى المعتصم بالله قصرا له وجلس فيه أنشده إسحق الموصلي :
يا دار غيرك البلى ومحاك
فتطير المعتصم بهذا الابتداء وأمر بهدم القصر.
وإنما حسن الابتداء الذي لا يتطير به في ذكر الديار مثلا مثل ما تقدم قصر عليه تحية إلى آخره وقوله :
إنا محيوك فاسلم أيها الطلل (٥)
__________________
(١) البيت في شرح عقود الجمان (٢ / ١٩٤) ، وهو للمتنبى ، والإيضاح ص (٣٦١).
(٢) للمتنبى فى الإيضاح ص (٣٦١).
(٣) أنشده ابن مقاتل للداعى العلوى ، فى الإيضاح ص (٣٦٢).
(٤) البيت فى شرح عقود الجمان (٢ / ١٩٥).
(٥) هو للقطامى فى الإيضاح ص (٣٦٣) ، ويعرف القطامى بالشرقى ، واسمه عمير بن شبيم.