وتحقيق ذلك أن حسن التخلص فيه القصد إلى إيجاد الربط بالمناسبة على وجه لا يقال فيه : إن هنا كلامين منفصلين مستقلين أتي بأحدهما وهو الثاني بغتة ، والاقتضاب فيه القصد إلى الإتيان بكلام بعد الآخر على وجه يقال فيه : إن الأول منفصل عن الثاني ولا ربط بينهما ، وأما بعد لما كان معناه مهما يكن من شيء فكذا وكذا ، أفاد أن ذلك الكذا مربوط بكل شيء ، وواقع على وجه اللزوم بالدعوى بعد الحمد والثناء ، ولما أفاد ما ذكر ارتبط بما قبله ؛ لإفادته الوقوع بعده ولا بد ، فلم يؤت به على وجه يقال فيه : لم يرتبط بما بعده ؛ فأشبه بهذا الوجه حسن التخلص ، ولما كان ما بعده شيء آخر لا ربط فيه بالمناسبة ، كان في الحقيقة اقتضابا ، وبه يعلم أن جعل وجه المشابهة أنه لم يؤت بما بعده فجأة وحده لا يكفي ؛ لأن حسن التخلص فيه الإتيان بشيء آخر فجأة ، ولكن بضرب من المناسبة فافهم.
(قيل وهو) أي : قولهم : بعد الحمد لله والصلاة على رسول الله أما بعد (فصل الخطاب) أي : هو المسمى بهذا اللقب الذي هو للفظ الممدوح اتفاقا ؛ لأنه فصل بين الخطاب الأول والثاني على وجه لا تنافر فيه ولا سماجة ، بل وجه مقبول كما أشرنا إليه ، قال ابن الأثير : والذي أجمع عليه المحققون من علماء البيان أن فصل الخطاب هو أما بعد ؛ لأن المتكلم يفتتح في كل أمر ذي شأن بذكر الله تعالى وتحميده يعنى الصلاة على رسوله صلىاللهعليهوسلم ، فإذا أراد الخروج منه إلى الغرض المسوق له الكلام ، فصل بينه وبين ذكر الله تعالى بقوله : أما بعد ، فسمى فصل الخطاب ، واشتهر بذلك مع قبوله لحسن الفصل به ، وقيل : معنى فصل الخطاب : الكلام الفاصل من الخطاب بين الحق والباطل ، وعلى هذا فالمصدر أعنى : لفظ الفصل بمعنى اسم الفاعل ، وقيل : معناه الكلام المفصول من الخطاب أي : يتبينه من يخاطب به أي : يعلمه بينا لا يلتبس عليه ، وعلى هذا فالمصدر وهو لفظ الفصل بمعنى اسم المفعول (وكقوله تعالى) هو عطف على قوله : كقولك بعد حمد الله تعالى ، يعنى : أن من جملة الاقتضاب القريب من التخلص الاصطلاحي ، وهو ما يكون بالمناسبة الربطية ما يكون بلفظ هذا ، كما في قوله تعالى