المذنب ، وأعظمها العمل على بث الكفر وانتشاره ، ومحاربة المؤمنين ، لا لشيء إلا لأنهم مؤمنون.
وتسأل : ان الله حكم في الآية السابقة بقبول توبة من كفر بعد الإيمان ، ثم حكم في هذه الآية بعدم قبولها ، فما هو وجه الجمع؟.
وأجاب المفسرون بأجوبة أرجحها ان الكافر بعد الايمان على ثلاثة أقسام : أحدها من تاب توبة نصوحة ، وهو الذي ذكره الله في قوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا). ثانيها : من تاب توبة زائفة ، وهو الذي ذكره تعالى بقوله : (لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ). ثالثها : من مات على الكفر ، وهو المذكور بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ).
والذي نراه في الجواب ان الإنسان قد يشعر بصحة شيء ، أو فساده ، ثم تعرض بعض الملابسات تخيل اليه ان شعوره قد تغير من الصحة الى الفساد ، أو من الفساد الى الصحة ، مع ان شعوره في واقعه هو هو لم يتغير فيه شيء ، أما اعتقاد التغيير فمجرد وهم وخيال ، وكذلك الحب والبغض ، فقد يسيء ولدك اليك ، فيلوح لك انه أبغض الناس إلى قلبك ، وانك تود هلاكه ، ولكن عاطفة الأبوة تكمن في قرارة نفسك دون أن تشعر .. وكم شاهدنا من يفعل ويترك بوحي من المحاكاة والتقليد ، أو العاطفة والعادة ، وهو يعتقد ان ذلك بوحي من الدين والعقل.
وكذلك يلوح لكثير من التائبين من ذنوبهم انهم تابوا توبة نصوحة ، وهم في الواقع باقون على ما كانوا ، وهؤلاء التائبون هم المعنيون بقوله تعالى : (لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ). أما المعنيون بالآية السابقة ، وهي قوله سبحانه : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) فهم التائبون حقا وصدقا.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ). ليس من شك ان من ختم حياته بالكفر ، ومات عليه حوسب حساب الكافرين.
ولك أن تسأل : انه لا ذهب يوم القيامة ، ولا وسيلة لامتلاكه ، ولا إنفاقه ، فما هي الفائدة من ذكره؟