و «منها» : أن يتردد اللفظ بين معنيين أو أكثر ، مثل قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) ، حيث يطلق القرء على الطهر والحيض معا.
و «منها» أن يكون اللفظ عاما يشمل بظاهره جميع المكلفين ، ولكن المراد منه بعض أفراده ، لا جميعها ، مثل قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) .. مع العلم بأن السارق لا يقطع إذا كان أبا لصاحب المال ، ولا في سنة المجاعة ، ولا إذا كان المسروق في غير حرز ، أو كان دون ربع دينار.
و «منها» : الحكم المنسوخ ، كالصلاة الى بيت المقدس ، حيث دل الدليل على ثبوت هذه القبلة واستمرار حكمها في بدء الدعوة ، ثم جاء دليل الناسخ ، وحوّلها إلى الكعبة.
وليس من شرط المتشابه ان لا ترجى معرفته إطلاقا ، حتى للعلماء ، وبشتى أنواعه .. كلا ، فان جميع أنواع المتشابه ـ ما عدا النوع الأول ـ يمكن لعلماء الأصول العارفين بطرق التأويل ، وأحكام الخاص والعام ، والناسخ والمنسوخ ، والترجيح بين المتعارضين ـ ان يستخرجوا الخاص من العام ، ويميزوا بين الناسخ والمنسوخ ، والراجح والمرجوح ، والمعنى المعقول الذي أوّلت به الدلالة اللفظية بعد أن رفضها العقل .. وعلى هذا يكون المتشابه بالنسبة إلى العالم واضحا ، ولكن بعد البحث والاستقصاء ، وعملية الموازنة والمقارنة بين المتشابه ، وبين ما يتصل به من القرائن والدلائل .. أجل ، يبقى المتشابه على أشكاله بالنسبة إلى الجاهل الذي لا يجوز له أن يؤوّل ، أو يأخذ بظاهر يقبل التخصيص أو النسخ.
وخلاصة القول ان العلماء يعلمون معاني القرآن ، وهو بلاغ مبين بالنسبة اليهم ؛ إذ لا يجوز بحال أن ينزل الله كلاما لا معنى له ، أو لا يفهمه أحد ، حتى العلماء .. كيف؟ وقد أمر الله بتدبر القرآن ، ولا يكون التدبر والتعقل إلا للمعقول .. والذي لا يفهم لا يمكن تدبره وتعقله.
وتسأل : ان الله قد وصف كتابه العزيز بأن آياته كلها محكمة ، قال عز من قائل في الآية ١ من سورة هود : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) .. وأيضا وصف كتابه بأن آياته كلها متشابهة ، قال في الآية ٢٣ الزمر : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً) .. وأيضا وصف كتابه بأن بعض آياته محكمة ،