وبعضها متشابهة ، قال في الآية التي نحن بصددها : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) .. فما هو طريق الجمع بين هذه الآيات؟.
الجواب : ان المراد بقوله تعالى : (أُحْكِمَتْ آياتُهُ) أنها أحكمت في النظم والإتقان ، وانها جميعا فصيحة اللفظ ، صحيحة المعنى ، والمراد بقوله : (كِتاباً مُتَشابِهاً) ان بعضه يشبه بعضا في البلاغة والهداية ، قال أمير المؤمنين : القرآن ينطق بعضه ببعض ، ويشهد بعضه على بعض ، والمراد بقوله : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) ان بعضها واضح المعنى لا يحتاج إلى تفسير ، وبعضها غامض يحتاج فهمه إلى تفسير ، والتفسير يحتاج إلى المعرفة والعلم بالصناعة ، كما أشرنا .. فلا تهافت بين الآيات الثلاث بعد اختلاف الجهة ، فهي أشبه بقول القائل : أحب السفر ، ولا أحب السفر ، ثم أوضح مراده بقوله : أحب السفر برا ، ولا أحبه بحرا ، قال بعض الصوفية مخاطبا ربه :
يا من أراه ولا يراني |
|
يا من يراني ولا أراه |
يريد أرى الله مفضلا عليّ ، ولا يراني مطيعا له ، ويراني عاصيا ، ولا أراه معاقبا.
سؤال ثان : ما هو المراد من الأم في قوله تعالى : (هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ)؟.
الجواب : بعد أن أوضح سبحانه ان في كتابه آيات متشابهات لا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم قال : ولكن الآيات التي وردت في أصول العقيدة ، كالايمان بالله ونفي الشريك عنه ، وكالايمان بنبوة محمد (ص) واليوم الآخر ، ان هذه الآيات واضحة المعنى بيّنة القصد ، لا التباس فيها ولا غموض ، ولا مجال فيها للتأويل ، أو التخصيص ، أو النسخ ، ويستوي في فهمها العالم والجاهل ، وهي في نفس الوقت الأصل والأساس في كتاب الله ، لأنها في العقيدة ، وما عداها يتفرع عنها ، ويرجع اليها.
وعلى هذا فلا وجه ، ولا مبرر لوفد نجران اليمن وغيره أن يطلب الآيات المتشابهة ، مثل الآية التي وصفت عيسى بأنه روح الله ، ويتجاهل تلك الآيات