خالق الكون جلت كلمته يخاطب عباده تارة بأسلوب التهديد والوعيد ، ويقول لهم : (إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ) ـ ٦٥ المؤمنون». وتارة يقول لهم برفق : (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ـ ٢٢ النور».
وبالجملة ان إعلان الدعوة الإسلامية على الملأ ، وتآمر المسلمين فيما بينهم بالمعروف ، وتناهيهم عن المنكر ، ان هذا ركيزة من ركائز الإسلام ، ومن ثم يحتم وجود فئة معينة تقوم بهذه المهمة ، تماما كما يحتم وجود سلطة تحافظ على الأمن والنظام ، وفئة تختص بالصناعة ، وأخرى بالزراعة ، وما إلى ذاك مما لا تتم الحياة إلا به.
وهذا الأصل من الأصول الأساسية لكل دين ، ولكل مذهب ، وكل مبدأ ، ولو كان زمنيا ، لأنه الوسيلة المجدية لبث الدعوة وانتصارها ، وردع أعدائها .. ولا شيء أدل على ذلك من اهتمام أصحاب المذاهب السياسية والاقتصادية بوسائل الاعلام ، وتطورها ، وبذل الملايين في سبيلها ، ومن وقوف الدعاية بشتى أساليبها مع المدفع جنبا الى جنب ، وما ذاك إلا لأنهم أدركوا بتجاربهم ان الرأي العام أمضى سلاحا ، وأقوى أثرا من الصواريخ والقنابل ، وقد اشتهر عن أحد أقطاب الحلفاء بعد انتصارهم في الحرب العالمية انه قال : «لقد انتصرنا في المعركة بقنابل من ورق». يعني الصحف والنشرات (١).
وتسأل : كيف تجمع بين قوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) وبين قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) ـ ١٠٥ المائدة» ، حيث أفادت الأولى وجوب الامر بالمعروف ، ودلت الثانية على عدم وجوبه بقرينة (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ).
__________________
(١) جاء في تفسير المنار ان الشيخ محمد عبده كان في الدرس يفسر هذه الآية : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ) الخ ... ومما قال : ان على كل إنسان أن يأمر بالمعروف حسب استطاعته ، وضرب مثلا بالطائفة الشيعية ، فإنهم ملتزمون بهذا المبدأ ، ولا يدعونه بحال ، متى سنحت الفرصة ، واستشهد على ذلك بأنه حين كان ببيروت احتاج إلى مرضعة ترضع بنتا له ، فجيء بامرأة شيعية ، فأخذت تدعو نساء الشيخ إلى مذهبها.