المراد بالخير هنا الإسلام ، وبالمعروف طاعة الله ، وبالمنكر معصيته ، ومحصل المعنى انه لا بد من وجود جماعة تدعو غير المسلمين الى الإسلام ، وتدعو المسلمين الى ما يرضي الله ، ويثيب عليه ، وترك ما يغضبه ، ويعاقب عليه.
ولفظ (منكم) في الآية قرينة على ان وجوب الأمر بالمعروف على سبيل الكفاية ، دون العين ، إذا قام به البعض سقط عن الكل.
وليس من الضروري أن يكون القائم بهذه المهمة عادلا ، بحيث لا يجوز للفاسق أن يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر .. كلا ، لأمرين : الأول ان شرط الحكم تماما كالحكم لا يثبت الا بدليل ، ولا دليل على شرط العدالة هنا لا من الكتاب ، ولا من السنة ، ولا من العقل. الثاني ان حكم الآمر بالمعروف لا يناط بطاعة أو معصية غيره من الأحكام.
وكثير من الفقهاء اشترطوا لوجوب الأمر بالمعروف أن يكون الآمر آمنا على نفسه ، بحيث لا يصيبه أي ضرر إذا أمر بالمعروف ، ونهى عن المنكر.
ولكن هذا الشرط لا يطرد في جميع الموارد ، فإن قتال من يحاربنا من أجل ديننا وبلادنا واجب ، مع العلم بأن القتال يستدعي الضرر بطبعه : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ) ـ ١١١ التوبة .. ويجوز لكل انسان أن يضحي بحياته إذا تيقن ان في هذه التضحية مصلحة عامة ، وفائدة للعباد والبلاد أهم وأعظم من حياته ، بل هو مشكور عند الله والناس ، وفي الحديث : «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر».
وخلاصة القول ان الضرر يجب دفعه إذا لم تترتب عليه فائدة ، والا جاز تحمله ، كما يجوز للإنسان أن يقدم على قطع عضو سقيم من أعضائه ، حرصا على حياته ، وخوفا على نفسه من الهلاك.
هذا ، الى ان للأسلوب أثره البالغ ، فبعض الأساليب تنفّر من الحق ، وتجر على صاحبها المتاعب والويلات ، وبعضها تفرض الفكرة على سامعها فرضا من حيث لا يشعر .. والعاقل الحكيم يعطي لكل مقام ما يناسبه من القسوة واللين ، وقد كان فرعون في أوج سلطانه وطغيانه ، ولم يكن لموسى وهارون ناصر ولا معين ، ومع ذلك أمرهما ان يدعواه الى الحق ، ولكن بأسلوب هين لين .. حتى