وإذا قال قائل : ان هذا الحديث خاص بخطإ المجتهد في الأحكام الفرعية ، لا في المسائل العقائدية ، كما ادعى جماعة من العلماء.
قلنا في جوابه وجوابهم : ان المبرر لعدم مؤاخذة المجتهد في الأحكام هو احتراسه وعدم تقصيره في البحث ، وهذا المبرر موجود بالذات في المسائل العقائدية .. هذا ، الى ان جميع الفقهاء اتفقوا ، ومنهم الذين خصوا هذا الحديث بالمجتهد في الفروع ، اتفقوا كلمة واحدة على ان القاصر الذي يعجز عن ادراك العقيدة الحقة معذور ، ونحن لا نرى أي فرق بينه وبين المجتهد الذي عجز بعد ان استنفد الجهد ، لأن كلا منهما عاجز عن معرفة ما لم يصل اليه.
والخلاصة ان من جحد الحق ، أي حق كان فهو مؤاخذ ، سواء اجتهد أم لم يجتهد إلا إذا كان قاصرا كالبهائم ، وان وقف من الحق موقفا محايدا لم يثبت ولم ينف ينظر : فإن وقف هذا الموقف دون أن يجتهد وينظر الى الدليل ، أو اجتهد اجتهادا ناقصا فهو مؤاخذ ، وان كان قد نظر الى الدليل ، حتى بلغ الاجتهاد نهايته فهو معذور ، على شريطة أن يبقى متجها الى الحق عازما على العدول عن موقفه متى ظهر العكس.
وتسأل : قلت ان القاصر الذي يعجز عن معرفة العقيدة الحقة ـ ومنها نبوة محمد ـ معذور : وكذلك المجتهد غير الجاحد ، مع عدم تقصيره في الاجتهاد ، فهل معنى هذا انه يجوز لنا أن نعاملهما معاملة المسلمين في الزواج والإرث ، وما اليهما؟
الجواب : نريد بالعذر هنا عدم استحقاق العقاب في الآخرة .. وهذا شيء ، والزواج والإرث في هذه الحياة شيء آخر .. وكل من لا يؤمن بنبوة محمد (ص) مهما كان السبب فلا يجوز أن نعامله معاملة المسلمين من حيث الإرث والزواج ، سواء أكان من الناجين غدا ، أم من الهالكين ، كما ان من قال : لا إله إلا الله محمد رسول الله له ما للمسلمين ، وعليه ما عليهم ، حتى ولو كان أفسق الفاسقين ، بل ومن المنافقين أيضا.