الحقيقة ، فيتهمون آراءهم ويتحفظون في أقوالهم ، ولا يتخذون من أنفسهم مقياسا للصواب ، ولا يقولون : هذا الرأي مقدس لا ريب فيه ، وما عداه ليس بشيء ، بل ينظرون الى كل الآراء على انها عرضة للتساؤل .. ولا شيء أدل على نقص العالم من غروره بنفسه ، وتزكيته لعلمه ، وازدرائه لرأي الغير وعقيدته.
وعلى هذا ، فإن مجرد عدم اقتناع زيد من الناس بنبوة محمد (ص) لا يسوّغ له نفي النبوة عن النبي الأعظم (ص) بقول قاطع .. وان فعل فهو مسؤول ، بخاصة بعد أن رأى العديد من الغرباء الأكفاء الذين لم يتأثروا بالوراثة والبيئة ، رآهم يؤمنون بمحمد ورسالته لا لشيء الا احتراما للحق ، واعترافا بالواقع (١).
هذا إذا جحد ، أما إذا نظر الى الدليل ولم يقتنع ، ولكنه لم يجحد ، بل وقف موقف المحايد من نبوة محمد (ص) لم يثبت ، ولم ينف ، وفي الوقت نفسه نوى مخلصا أن يؤمن بالحق متى ظهر له ، تماما كالفقيه العادل ، يفتي بالشيء على نية العدول عنه متى استبان له الخطأ ، أما هذا فهو غير مسؤول ، لأن من أخطأ في اجتهاده من غير تقصير فلا يؤاخذ على خطأه بحكم العقل ، والنقل أيضا ، فعن الإمام جعفر الصادق (ع) : لو ان الناس إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا .. وفي رواية ثانية : انما يكفر إذا جحد .. وقال الشيخ الأنصاري في كتابه المعروف ب «الرسائل» ، فصل «الظن في الأصول» : «لقد دلت الأخبار المستفيضة على ثبوت الواسطة بين الكفر والايمان». أي ان الجاحد كافر ، والمعتقد مؤمن ، والشاك لا كافر ولا مؤمن.
ومن الأحاديث التي يمكن الاستدلال بها على عدم مؤاخذة المجتهد غير المقصر إذا أخطأ فيما يعود الى العقيدة ، من هذه الأحاديث الحديث المشهور عند السنة والشيعة : «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر».
__________________
(١) منهم (ليوبولد فأيس) النمساوي الذي أسمى نفسه محمد أسد ، وألف كتاب الإسلام على مفترق الطرق ، ومنهم (فاغليري) الايطالية صاحبة كتاب دفاع عن الإسلام ، وغيرهما كثير لم تحضرني أسماؤهم .. وسمعت أن أحد الايرانيين وضع كتابا خاصا في أسماء من أسلم من الغربيين ، وانهم جمع غفير.