وقال أيضا : ان من لا يتفطن لوجوب معرفة الأصول يلحق بالبهائم والمجانين الذين لا يتعلق بهم تكليف (١). وقال الشيخ الأنصاري في الرسائل فصل الظن في الأصول ، الذي يقتضيه الانصاف بشهادة الوجدان قصور بعض المكلفين ، وبهذا قال الكليني ، وقال الشيخ الطوسي : العاجز عن التحصيل بمنزلة البهائم.
أجل ، إذا تنبه هذا الغافل من نفسه الى وجوب المعرفة ، أو قال له قائل : انك مبطل في عقيدتك ، ومع ذلك أصر ، ولم يبحث ويسأل فهو آثم ، لأنه مقصر ، وجهل المقصر ليس بعذر.
٣ ـ أن لا يؤمن بمحمد (ص) ، مع ان فيه الاستعداد الكافي الوافي لتفهم الحق ، ولكنه أهمل ولم يكترث إطلاقا ، أو بحث بحثا ناقصا ، وترك قبل أن يبلغ النظر نهايته ، كما هو شأن الأعم الأغلب ، بخاصة شباب هذا الجيل .. وهذا غير معذور ، لأنه اخطأ من غير اجتهاد ، وتمكن من معرفة الحق ، وأهمل .. وبالأولى أن يؤاخذ ويعاقب من بحث واقتنع ، ومع ذلك رفض الإيمان بمحمد (ص) تعصبا وعنادا.
٤ ـ أن ينظر الى الدليل ، وهو متجه الى الحق بإخلاص ، ولكن لم يهتد الى الوجه الذي يوجب الإيمان بنبوة محمد (ص) ، اما لتمسكه بشبهة باطلة دون أن يلتفت الى بطلانها ، واما لسليقة عرجاء ، وما إلى ذلك مما يصد عن رؤية الحق.
وهذا ينظر الى حاله : فان جحد ونفى النبوة عن محمد (ص) بقول قاطع فهو مؤاخذ ومستحق للعقاب ، لأن من خفي عليه وجه الحق لا يجوز له أن يجزم ويقطع بنفيه إطلاقا ، فقد يكون الحق موجودا ، ومنع من الوصول إلى معرفته مانع ، وهذا هو الغالب ، فإن الأشياء الكونية موجودة في ذاتها ، ومع ذلك لا نعلم منها إلا قليلا ، وكذلك الشأن بالنسبة الى الأنبياء والمصلحين .. وأي انسان يحيط بكل شيء علما.
وقد عبّر أهل المنطق والفلسفة عن ذلك بعبارات شتى : منها عدم العلم لا يدل على العدم .. عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود .. كل من الجزم بالاثبات والنفي يحتاج الى دليل .. وقد رأينا الكثير من العلماء الأكفاء ينسجمون مع هذه
__________________
(١) كتاب القوانين ج ٢ ، ص ١٦٠ و ١٦٤ ، طبعة عبد الرحيم ، سنة ١٣١٩ ه.