من غير مبرر ، فإذا لم يوجد على الحق دليل من الأساس ، أو وجد ، ولكن عجز الإنسان عن الوصول اليه ، أو وصل اليه ، وأدى حق النظر فيه ، حتى بلغ النهاية ، ومع ذلك خفي عليه الحق ، إذا كان كذلك فهو معذور ، لعدم إتمام الحجة عليه ، لأن من لم يثبت الحق لديه لا يعاقب على تركه الا إذا قصّر في البحث.
وأيضا من القواعد الرئيسية التي تتصل بهذا البحث قاعدة : «الحدود تدرأ بالشبهات». فلا يجوز لنا أن نحكم على تارك الحق بأنه مجرم يستحق العقاب ، ما دمنا نحتمل ان له عذرا في تركه ، وهذه القاعدة تنطبق على جميع الناس ، لا على المسلمين فحسب ، كما انها تشمل جميع الحدود بشتى أنواعها .. ومثلها قاعدة : «من أخطأ في اجتهاده فخطؤه مغفور له» .. وهذه القاعدة عقلية لا يمكن تخصيصها بدين دون دين ، أو بمذهب دون مذهب ، أو بأصل أو بفرع .. إذا تمهد هذا نشرع بالتطبيق.
١ ـ أن يعيش الإنسان في بلد ناء عن الإسلام والمسلمين ، ولم تبلغه الدعوة ، وما سمع باسم محمد (ص) مدة حياته ، ولا مرّ بخاطره من قريب أو بعيد أن في الدنيا دينا اسمه الإسلام ، ونبيا اسمه محمد (ص) .. وليس من شك ان هذا معذور من حيث عدم استحقاقه للعقاب ، لحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ، ولقوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) ـ ١٥ الاسراء». والعقل رسول باطني ما في ذلك ريب الا انه برهان مستقل على وجود الله ، أما الدليل على ثبوت نبوة النبي فلا بد من توسط المعجزة ، وظهورها على يده ، مع حكم العقل باستحالة ظهورها على أيدي غير الأنبياء.
٢ ـ ان يسمع بالإسلام وبمحمد ، ولكنه يفقد القدرة على التمييز بين الحق والباطل ، لقصوره وعدم استعداده لتفهم دليل الحق ومعرفته ، وهذا معذور لأنه تماما كالطفل والمجنون .. ومثله إذا لم يؤمن بمحمد (ص) صغيرا تقليدا لآبائه ، وذهل عن عقيدته كبيرا ، واستمر مطمئنا اليها غير شاك ولا متردد .. ان هذا معذور ، لأن تكليف الذاهل غير المقصر كتكليف النائم. قال المحقق القمي : ان التحرر من تقليد الآباء والأمهات لا يخطر على بال أكثر الناس ، بل يصعب غالبا على العلماء المرتاضين الذين يحسبون انهم خلعوا التقليد عن أعناقهم ..