الحياة تسيّر المجتمع وتتحكم به ، والله سبحانه لا يسقطها ويعطل سيرها ، تماما كما هو شأنه في سنن الطبيعة.
وعليه ، فلا عجب أن تغتال الصهيونية جزءا من أرضنا بمعونة الاستعمار ، ما دمنا في غفلة عنها وعن مقاصد أعوانها منقسمين الى دويلات لا جامع بينها الا لفظ العرب والعربية .. أجل ، قد تكون الجولة الأولى للباطل ، ولكن العاقبة لمن صبر واتقى ، لأن الباطل مهما استعد وتحصن فإنه يفقد القوى والصفات التي تؤهله للبقاء والاستمرار ، فهو دائما عرضة للزوال .. ففي أية لحظة يجد الحق أنصارا يؤمنون به ، ويضحون من أجله لا يلبث الباطل أن يدمغ ويضمحل.
والذي يبعث على التفاؤل ان العرب لم يستسلموا للأمر الواقع ، بل اتخذوا من المحنة والهزيمة دافعا الى مزيد من الصلابة والتصميم .. لقد ظن الاستعمار ان طول الطريق يضعف العرب ، وان احتلال أرضهم يلجئهم الى الخضوع ، ثم ظهر له انه خاطئ في ظنه ، وانه لا شيء في حساب العرب الا الصبر والكفاح طويلا كان الطريق أو قصيرا ، يسيرا كان أو عسيرا.
وتسأل : قلت : ان مشيئة الله تجري على القوانين والسنن المعروفة ، مع انه سبحانه ، قد أهلك قوم نوح بالطوفان ، وقوم هود بريح عاتية ، وأمطر أصحاب الفيل بحجارة من سجيل ، وجعل عالي مدائن لوط سافلها ، لا لشيء الا لمجرد العصيان ومخالفة الحق ، كما جاء في كتابه العزيز.
الجواب : ان الحكمة الإلهية اقتضت استثناء تلك الموارد الجزئية الخاصة على يد من سبق من الأنبياء ، ولم تتكرر وتطرد في جميع الكفار والعصاة ، فالقياس عليها قياس على الفرد النادر.
سؤال ثان : لما ذا لا ينتصر الحق على كل حال ، ما دام الله مريدا له ولأهله ، كارها الباطل وأتباعه؟.
الجواب : أولا لو انتصر الحق على كل حال لاتبعه الناس ، كل الناس رغبة في النصر لأحبابه ، وكرها بالباطل ، ولتعذر التمييز بين الخبيث الذي يتبع الحق بقصد المنفعة والاتجار ، وبين الطيّب الذي يتبع الحق لوجه الحق ، ويتحمل في سبيله المحن والشدائد. هذا ، الى ان الأسباب لا تعرف الا بعد الهزيمة.
ثانيا : لو سلّط الله المحنة على المبطلين أبدا ودائما ، وأبعدها عن المحقين