اليها ، وتلخيصها ان النبي (ص) أمر الرماة ان يلزموا الجبل ، ولا ينتقلوا عنه بحال ، سواء أكان الأمر للمسلمين ، أم عليهم .. ولكن جماعة من الرماة لما رأوا انهزام المشركين في الجولة الأولى أخلوا ظهر المسلمين ، وبادروا الى الغنيمة ، فأعاد المشركون الكرة على المسلمين ، وأكثروا فيهم القتل ، وكسرت رباعية الرسول (ص) وشج وجهه ونزفت جراحه ، ونادى مناد ان محمدا قد قتل ، فانكفأ الناس عن النبي (ص) ، وما بقي معه الا قليل ، منهم علي بن أبي طالب وأبو دجانة الأنصاري ، وقال البعض من الأصحاب : ليتنا نجد من يأخذ لنا الأمان من أبي سفيان ، وقال آخرون : لو كان محمد نبيا لم يقتل ، ألحقوا بدينكم الأول.
وقد وبّخ القرآن المنهزمين والمشككين ، وقال لهم : ان محمدا ليس الا بشرا يبلغ رسالة ربه الى عباده ، ومتى بلغها تنتهي مهمته ، ورسالته العامة لا ترتبط بشخصه ، ولا تموت بموته ، بل تبقى ببقاء الله الذي لا يموت ، تماما كما هو الشأن بالنسبة الى غيره من الأنبياء الذين ماتوا أو قتلوا ، وبقيت رسالاتهم وتعاليمهم .. وبكلمة ان الدعوة لا تموت بموت الداعي ، والمبادئ لا تزول بزوال الأفراد.
وخير ما يمثل هذه الحقيقة ما جاء في تفسير الطبري ان رجلا من المهاجرين مر برجل من الأنصار يتشحط في دمه ، فقال للأنصاري : أعلمت ان محمدا قد قتل؟. فقال الأنصاري : ان كان محمد قد قتل فقد بلغ ، فقاتلوا عن دينكم .. وفي الطبري أيضا وغيره ان انس بن النضر مر بعمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار ، وقد ألقوا بأيديهم ، فقال انس : ما يجلسكم؟. قالوا : قتل محمد. قال : ان كان قد قتل محمد فإن رب محمد لم يقتل ، وما تصنعون بالحياة بعده؟. فقاتلوا على ما قاتل عليه ، وموتوا على ما مات عليه ، ثم قال : اللهم اني أعتذر اليك مما قال هؤلاء ، وأبرأ اليك مما جاؤوا به ، ثم شد بسيفه ، فقاتل ، حتى قتل ، رضوان الله عليه.
وقال ابن القيم الجوزية في الجزء الثاني من زاد المعاد ص ٢٥٣ : «ان وقعة أحد كانت مقدمة وإرهاصا ـ أي لوما ـ بين يدي موت محمد (ص) ، فنبأهم