وتسأل : الذي نشاهده ان للموت أسبابا خاصة ، كالقتل والغرق والوباء وما اليه ، وهذا ينافي أن يكون الأجل محدودا بعلم الله؟
وقد أجاب عن ذلك الشيخ محمد عبده ـ كما في تفسير المنار ـ بأنه ليس هناك أسباب للموت غير الأجل المقدر عند الله ، فان الوباء قد يعم ، ومع ذلك يفتك بالشاب القوي ، ويترك الشيخ الهزيل ، وكم من ضربة قتلت هذا دون ذاك ، ولو كانت هذه أسبابا مطردة لظهر أثرها في الجميع دون استثناء.
سؤال ثان : على هذا ينبغي ان يكون القاتل غير مسؤول أمام الله ، مع انه قال عز من قائل : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) ـ ٩٢ النساء»؟
الجواب : ان المقتول مات بأجله المعين ، والقاتل استحق العقاب : لأنه أقدم على ما نهى الله عنه ، مع قدرته على أن يجتنبه ، ويدع المعتدى عليه يموت بسبب آخر .. وبتعبير ثان هنا قضيتان : الأولى كل من باشر الحرام متعمدا فهو مسؤول. الثانية للمعتدى عليه اجل معين ، وقد تواردت القضيتان على مورد واحد ، فكان لكل منهما حكمه وأثره.
(وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ). لفظ الآية عام ، وسياق الكلام وارد في خصوص الجهاد ، والمعنى ان من قاتل طلبا للربح والغنيمة لا رغبة في ثواب الله ، وقتل فقد خسر الدنيا والآخرة ، وان سلم وغنم الجيش أخذ حظه من غنيمة الحرب ، وليس له من ثواب الله شيء .. وان قاتل انتصارا للحق وإعلاء كلمة الدين أخذ نصيبه من الغنيمة ، واستحق من الله الأجر والثواب ، وكذا لو قصد الاثنين معا لقوله تعالى : (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) ـ ٢٠٠ البقرة». فطبيعة الجهاد تتحمل القصدين معا ، قصد الدنيا وقصد الآخرة ، على العكس من الصوم والصلاة والحج والزكاة فإنها لله وحده يفسدها أدنى الشوائب.