وانه لا ايمان بلا تقوى وعمل صالح ، وهذا ينافي قولك هنا : ان العبرة بالنوايا والأغراض؟.
الجواب : نريد من النية هنا الباعث القوي والعزم الأكيد الذي لا ينفك عن العمل ، مع تهيؤ الجو ، وتوافر الأسباب الأخر .. وقد أشارت الى ذلك الآية ١٩ الاسراء : (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها). وهذه النية بحكم العمل ، بل هي العمل ، كما قال الإمام جعفر الصادق (ع) ، لأنه أصله ومصدره .. ومن لا يقصد لا يعمل ، وعليه يكون ثواب هذه النية ثواب العمل. أما نية الشر أي التصميم على فعله فهي محرمة ما في ذلك ريب ، وصاحبها يستوجب العقاب ، ولكن الله سبحانه أسقطه عنه تفضلا منه إذا لم يتلبس الناوي بالمعصية ، حتى ولو صرفه عنه صارف قهري. وعلى هذا تكون نية فعل الخير خيرا في نظر الإسلام ، أما نية فعل الشر المجردة فليست شرا.
(وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ). بعد ان نصر الله المسلمين في بدر ، وهم قلة ضعاف اعتقدوا أنهم منصورون في كل حرب ، ما دام محمد (ص) بينهم .. فلما كانت الهزيمة يوم أحد فوجئوا بما لا ينتظرون ، فكان منهم ما سبق ذكره ، وفي هذه الآية ضرب الله مثلا للذين وهنوا وضعفوا واستكانوا وما صبروا يوم أحد ، ضرب الله مثلا لهؤلاء باتباع الأنبياء السابقين الذين صبروا على الجهاد والقتل والأسر والجراح ، وتركوا الفرار ولم يولوا مدبرين ، كما فعلتم أنتم يا أصحاب محمد (ص) ، وكان الأليق بكم أن تقتدوا بهم ، وتعتبروا بحالهم ، وتصبروا كما صبروا ، كما هو شأن المؤمنين المدافعين عن دينهم وعقيدتهم بالأرواح.
(وَما كانَ قَوْلَهُمْ) ـ اي اتباع الأنبياء السابقين ـ (إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ). فلم يشكوا أبدا في دينهم ونبيهم ، كما فعل من فعل من أصحاب محمد (ص) يوم أحد .. وهكذا المؤمن الحق يتهم نفسه ، ويرجع ما أصابه من النوائب الى تقصيره وإسرافه في أمره ، ويسأل الله العفو والصفح ، والهداية والرشاد ، أما المؤمن الزائف فيحمل المسئولية لله ، ويقول : ربي أهانني.