الى النار؟. فقام اليه علي بن أبي طالب (ع) وضربه فقطع رجله وسقط ، فانكشفت عورته ، فقال طلحة لعلي : أنشدك الله والرحم يا ابن عم .. فتركه علي (ع) وكبر رسول الله (ص) وقال لعلي أصحابه : ما منعك أن تجهز عليه؟. قال : ناشدني الله والرحم .. هذا هو علي في خلقه يفيض قلبه بالحنان والرحمة ، حتى على أعدى أعدائه الذي برز له شاهرا السيف في وجهه مصمما على قتاله وقتله.
(حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ). بعد أن ولى المشركون الدبر ـ وكانوا ثلاثة آلاف مشرك ـ امتلأ الوادي بما خلفوه من الغنائم ، وحين رآها الرماة ، وإخوانهم المسلمون ينتهبونها دونهم عصف بهم ريح الطمع ، واختلفوا فيما بينهم ، وقال بعضهم : ما بقاؤنا هنا؟ وتجاهلوا وصية النبي وتشديده عليهم بالبقاء. فقال لهم أميرهم عبد الله بن جبير : امكثوا ولا تخالفوا أمر الرسول (ص) .. ولكن أكثرهم غادروا مواقعهم هابطين الى انتهاب الأسلاب والأموال ، وتركوا أميرهم عبد الله في نفر دون العشرة ، والى هذا التنازع والعصيان يشير قوله تعالى : (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ). أما قوله : (مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ) فيشير الى انهزام المشركين وغنائمهم.
وكان خالد بن الوليد يحارب النبي (ص) مع أبي سفيان ، وحين رأى مؤخرة المسلمين مكشوفة بعد أن أخلاها الرماة اغتنم الفرصة ، وانقض مع جماعة من المشركين على البقية الباقية من الرماة ، وقاتل هؤلاء بشجاعة وحرارة ، حتى استشهدوا جميعا ، وخلا ظهر المسلمين ، ورجع المشركون الى الميدان ، وأحاطوا بالمسلمين من الخلف والأمام ، وأكثروا فيهم القتل والجراح ، ودارت الدائرة عليهم بعد ان كانت لهم .. وهذه هي النتيجة الحتمية للتنازع والتخاصم.
(مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا). وهم الرماة الذين تركوا مقاعدهم طمعا بالغنيمة. (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ). وهم الذين ثبتوا مكانهم مع أميرهم عبد الله بن جبير ، حتى نالوا الشهادة. (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ). أي ردكم عن الكفار بعد أن نصركم عليهم بسبب تنازعكم وعصيانكم. (لِيَبْتَلِيَكُمْ). أي عاملكم معاملة من يمتحنكم ليظهر ثباتكم على الايمان ، وصبركم على الشدائد ، ويميز بين المخلصين والمنافقين.