والعدة والعدد ، ومع ذلك خذلهم الله ، ونصر موسى وقومه ، ولا مال لهم ولا عدة ولا عدد ، كما نصر من قبل نوحا على قومه ، وابراهيم على النمرود ، وهودا على عاد ، وصالحا على ثمود .. فالكثرة والثروة ـ اذن ـ ليستا بضمان ولا أمان ، وعليه فالذين كذبوا محمدا (ص) معرّضون لنفس المصير.
(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ). جاء في مجمع البيان ان الله سبحانه لما نصر نبيّه ببدر قدم المدينة ، وجمع اليهود ، وقال لهم : احذروا من الله أن يصيبكم ما أصاب قريشا ببدر ، وأسلموا .. فقالوا : لا يغرنك انك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب ، ولو قاتلناك لعرفت أنّا نحن الناس ، فأنزل الله سبحانه هذه الآية. وقد صدق الله وعده ، فقتل المسلمون بني قريظة الخائنين ، وأجلوا بني النضير المنافقين ، وفتحوا خيبر ، وضربوا الجزية على من عداهم من اليهود.
(قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ). وعظ الله بهذه الآية اليهود والنصارى والمسلمين وأولي الأبصار أجمعين ، وعظهم بوقعة بدر ، حيث التقى حزب الرحمن ، وهم محمد وأصحابه ، مع حزب الشيطان ، وهم أبو سفيان وأذنابه ، ومكان العظة في هذه الواقعة ان حزب الشيطان كانوا أكثر من ألف مدججين بالسلاح الكافي الوافي ، وكان حزب الرحمن بمقدار ثلثهم عددا ، لا يملكون من العدة إلا فرسين ، وسبعة أدرع ، وثمانية سيوف ، ومع ذلك كتب الله النصر للفئة القليلة على الفئة الكثيرة ، وأرى الله المشركين ان المسلمين مثليهم مع قلة عددهم ، وهذه الآية نظير الآية ٤٤ من سورة الأنفال : (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ). وأمر الله سبحانه هو أن يتخاذل المشركون ، ويهابوا المسلمين ، وينصرهم الله على أعدائه.
وبهذه المناسبة نذكر نصيحة الإمام علي (ع) للخليفة الثاني حين استشاره في غزو الروم بنفسه ، قال الإمام :
«الذي نصر المسلمين ، وهم قليل لا ينتصرون ، ومنعهم ، وهم قليل لا