من أجل الله ، سواء استشهد بين يدي الرسول (ص) أم من قبل ومن بعد. وظاهر الآية ان الشهداء أحياء في الحال ، لا أن الله سوف يحييهم مع غيرهم يوم البعث والنشر ، وانهم أحياء حقيقة ، لا مجازا كالذكر الطيب وما اليه .. هذا هو ظاهر الآية ، ويجب الاعتماد عليه ، إذ لا موجب للعدول عنه من نقل أو عقل ، ما دامت الحياة بيده تعالى يهبها لمن يشاء متى يشاء.
والآية رد صريح على المنافقين الذين قالوا : ان أصحاب محمد (ص) يقتلون أنفسهم ، ولا يصلون الى خير.
ولسنا نعرف دينا أو أمة رفعت من شأن الشهداء في سبيل الحق والعدل كما رفعه الإسلام. قال رسول الله (ص) : «الروحة والغدوة في سبيل الله أفضل من الدنيا وما فيها». وقال : «الجنة تحت ظلال الأسنة» التي تقضي على الظلم والجور ، والشر والباطل ، أما المستشهدون في سبيل الحق فهم والحق سواء في نظر الإسلام ، لأن من يستهين بحياته من أجل الحق يكون تقديسه تقديسا للحق بالذات.
(فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ). وفرحهم بهذا الفضل من وجهين : الأول انهم يتمتعون به. الوجه الثاني انه يدل على رضى الله الذي ضحوا بحياتهم من أجله ، تماما كهدية الحبيب التي تدل على حبه.
(وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ). كل مؤمن يحب لأخيه في الايمان ما يحبه لنفسه ، ولكن قد تخون الظروف ولا تتهيأ الأسباب لبلوغ المراد .. والذين استشهدوا في سبيل الله لهم اخوان في الله يعرفونهم بأسمائهم وأشخاصهم ، ولا ينقصون عنهم ايمانا وإخلاصا ، وقد تركوهم أحياء بعدهم .. وحين رأى الشهداء فضل الله عليهم فرحوا بما نالوه ، وأيضا استبشروا لإخوانهم الذين تركوهم على نهجهم في الايمان والإخلاص والجهاد .. استبشر الشهداء لأن إخوانهم الأحياء سيلحقون بهم ، وينالون ما نالوه من الفضل والكرامة.
وفي هذه الآية دلالة صريحة على ان الشهداء أحياء قبل يوم القيامة ، لأن استبشارهم بمصير إخوانهم الأحياء انما حصل في الحال ، لا أنه سوف يحصل في غد.