جماعة من المسلمين ، على ما بهم من القراح والجراح ، وساروا حتى عسكروا بحمراء الأسد في انتظار رجوع أبي سفيان ومن معه من المشركين .. وتبعد حمراء الأسد عن المدينة ثمانية أميال .. ونجحت هذه المظاهرة ، لأن المشركين لما علموا بتجمع المسلمين من جديد خافوا وأسرعوا الى مكة .. وعاد المسلمون الى المدينة أعز جانبا.
(الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ). المراد بلفظ الناس الأول المثبطون عن الحرب مع النبي (ص) ، وهؤلاء هم الذين قالوا للمؤمنين حين أهاب بهم الرسول (ص) أن يقفوا للمشركين ثانية ، قالوا لهم: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ). والمراد بلفظ الناس الثاني المشركون الذين حاولوا اعادة الكرة على المسلمين.
والمعنى ان المؤمنين على جراحهم الثقيلة الدامية قد لبوا نداء الرسول (ص) لمجابهة أبي سفيان وجيشه ، ولم يلتفتوا الى من خوفهم ، وقال لهم ، لا تخرجوا مع محمد ، لأن الأعداء أقوى منكم ، بل زادهم هذا القول ايمانا بالله وثقة بوعده ، ومضوا على طاعة الرسول (ص) ، والتصميم على محاربة المشركين ، مهما تكن النتائج ، معبرين عن هذه الطاعة ، وهذا التصميم بقولهم : حسبنا الله ونعم الوكيل.
وهكذا ينسجم المؤمن ، ويلتحم مع إيمانه ، ولا يخشى فيه القتل والأسر ، والتنكيل والتعذيب .. قال رجل من بني عبد الأشهل : شهدت وأخي أحدا مع رسول الله (ص) ، وجرحنا ، ولما اذن مؤذن الرسول (ص) بالخروج في طلب العدو خرجنا مع الرسول ، وكنت أيسر جرحا من أخي ، فكان إذا تأخر حملته.
(فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ). خرج المؤمنون مع النبي الى حمراء الأسد ، كما أمرهم ، ولم يلقوا من العدو كيدا ولا همّا. وهذا معنى (لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ). لأن العدو بعد أن علم بتجمعهم خاف وعاد الى أهله .. وبعد انصراف العدو عاد المسلمون إلى أهلهم بنعم كثيرة من الله ، منها السلامة ، ومنها طاعة الله ورسوله ، ومنها إرهاب العدو ، ومنها الذكر الطيب .. وأية نعمة تعدل تنويه الله بهم ، وتسجيل