الأربعة : الصحة ، والزوجة الملائمة ، والمال الذي يسد الحاجة ، والجاه الذي يحفظ الكرامة .. وأحسب ان صاحب هذا الرأي قد نظر الى السعادة من خلال نفسه وحاجته ، لا من خلال الواقع .. وإلا فأين الشعور بمشاكل العالم ، وآلام الناس؟. وأين الخوف من الوقوع في الأخطاء ، ومن سوء العاقبة والمصير؟. وأين حملات الكذب والتشهير؟. إلى ما لا نهاية من الهموم التي تتكدس وتتراكم على القلب.
والحق ان السعادة المطلقة في كل شيء وسائر الأحوال لم تتحقق لإنسان .. وأحسب انها لن تتحقق إلا في غير هذه الحياة .. أما السعادة نسبيا وآنيا فقد مرت بكل انسان ، ولو في عهد طفولته .. ومن المفيد أن نوضح السعادة النسبية بالبيان التالي :
ان للاستمتاع بالحياة مظاهر شتى ، منها التمتع بالربيع والأشجار ، والشلالات والأنهار ، ومنها تذوق الشعر والفن ، ومنها الاطمئنان والخلود الى الزوجة والصديق ، ومنها التلذذ بالحديث والمطالعة ، إلى غير ذلك من المتع واللذائذ الروحية.
ومن مظاهر المتع المادية النساء والمال والبنون ، أما الخيل والانعام والحرث فتدخل في المال ، لأنها من جملة أقسامه وأفراده ، تماما كالذهب والفضة ، ولكن هذه اللذائذ والرغائب بشتى مظاهرها لا تحقق السعادة المطلقة للإنسان ، لأن الدنيا لا تصفو لأحد من جميع الجهات .. فان كان في يسر من العيش شكا الأمراض والاسقام ، وان جمع بين الصحة والثراء شكا من بيته أو أرحامه ؛ قال الإمام أمير المؤمنين (ع) : «وان جانب منها اعذوذب واحلولى أمرّ منها جانب فأوبى ، لا ينال امرؤ من غضارتها رغبا إلا أرهقته من نوائبها تعبا».
أما السعادة النسبية ، أي في حال دون حال ، فلا يخلو منها إنسان. وخير مثال يوضح هذه السعادة ما قرأته في بعض الكتب ، قال صاحب الكتاب : «خرجت عائلة الى النزهة ، فيها نساء وأطفال ، وعم وخال ، وأب وجد .. ولما بلغوا جميعا المتنزه تقلب طفل على العشب ، ونضد آخر عقودا من الأقحوان ، وصنعت الأم شطيرة وسندويش ، ونهش العم تفاحة ذات ماء ، وأدار الخال اسطوانة على الحاكي ، وتمدد الأب على الثرى ، يتطلع إلى قطيع من الغنم ،