وتسأل : ان ظاهر الآية يشعر بأن الشر من الله ، لأن عذاب جهنم شر ، وقد أراده الله لهم؟
الجواب : أجل ، ان الله أراد لهم العذاب ، ولكن بعد ان استحقوه ، لأنه تعالى أمرهم بالإيمان ، ونهاهم عن الكفر ، وترك لهم الخيار ، فاختاروا الكفر على الإيمان ، ومعنى هذا ان المشركين والمنافقين هم الذين أوجدوا سبب العذاب ، وبعد أن أوجدوه مختارين أراد الله لهم العذاب ، تماما كالقاضي يريد السجن للمجرم بعد أن يرتكب الجريمة.
(إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ). ولفظ اشتروا يشعر بالاختيار ، لأن المشتري يختار السلعة ، ويرضى بها بديلا عن الثمن ، والكافر رضي بالكفر بديلا عن الايمان ، فاستحق العذاب الأليم.
وتسأل : لقد كرر سبحانه (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) في آيتين لا فاصل بينهما ، فما هو السر؟.
الجواب : المراد بالآية الأولى كفار قريش الذين جهزوا الجيوش لحرب الرسول (ص) ومن كان يؤازرهم من المنافقين ، والمراد بالآية الثانية كل من كفر من الأولين والآخرين محاربا كان أو غير محارب ، وعليه يكون ذكر الآية الثانية من باب ذكر العام بعد ذكر الخاص ، وهو كثير في كلام العرب ، يقولون : فلان قامر بأمواله ، فأهلك نفسه. وكل من يفعل فعله فهو من الهالكين.
(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ). ان عمر الإنسان كثروته ، ان أحسن التصرف بها ، وأنفقها على نفسه وأهله والمعوزين من عباد الله وعياله عادت عليه بالخيرات والحسنات ، وكلما زادت ثروته تضاعف إنفاقه في الطاعة ، وتضاعفت بذلك حسناته ، وان أساء التصرف بها ، وأنفقها في المعصية عادت عليه بالسيئات ، وكلما نمت وربت ثروته ازداد عتوا وفسادا.
وهكذا العمر ، يبلغ الإنسان به السعادة ان أحسن العمل .. ويكون سببا لشقائه ان أساء .. وهذه سنة إلهية واجتماعية في آن واحد .. وكل السنن المألوفة المعروفة طبيعية كانت أو اجتماعية فهي سنة الله في خلقه.