ان لفظ (توفون) يدل على ذلك.
أما نحن فلا نفهم من لفظ (توفون) الا ما نفهم من قوله تعالى : (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ) ـ ١١٠ هود». وهو لا يشعر بالتقسيط من قريب أو بعيد .. أجل ، في الحديث : «ان القبر روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار». ولكن هذا شيء ، ودلالة توفون على التوزيع شيء آخر.
(فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ). بل من زحزح عن النار ، ولم يدخل الجنة فهو من الفائزين .. وقد حدد كثير من الفلاسفة اللذة بدرء الألم ، والسعادة بعدم الشقاء.
(وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ). وصف سبحانه الدنيا بمتاع الغرور ، لأن الإنسان يغتر بها وينخدع ، أو لأنه إذا ملك شيئا من حطامها أحدثت الغرور بنفسه .. قال الإمام علي (ع) : الدنيا تضر وتغر وتمر ، ان الله تعالى لم يرضها ثوابا لأوليائه ، ولا عقابا لأعدائه ، وان أهل الدنيا كركب بيناهم حلوا إذا صاح صائح فارتحلوا.
(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً). هذا هو ثمن الحق والجنة .. صراع مرير مع المبطلين ، وصبر على تهمهم وافتراءاتهم ، وتضحية بالنفس والمال ، وكلما كان الإنسان قويا في دينه اشتد بلاؤه وعظم .. ذلك ان مهمة أهل الحق تحتم عليهم كراهية الباطل وأهله ، إذ لا صلح ولا هدنة بين الحق والباطل ، وقد كان المبطلون ولا زالوا أكثر عددا وأقوى شوكة .. ومحال ان يسكتوا عن أعدائهم في العقيدة والمبدأ .. ومن الذي يعلم انه مكروه وبغيض لديك ، ثم يتقبل ذلك منك ، ويسكت عنك؟ الا من عصم ربك .. ومن هنا كان تاريخ الأنبياء والمصلحين تاريخ حرب وجهاد مع المشركين والمفسدين ، أما البلوى في النفس والمال وغيرهما فهي نتيجة حتمية لكل حرب.
والمراد بالذين أوتوا الكتاب من قبلكم اليهود والنصارى ، لأن التوراة والإنجيل نزلا قبل القرآن ، والمراد بالذين أشركوا العرب الذين تظاهروا على حرب الرسول (ص).