وقبله بين عينيه ، وقال : ما أدري بأيهما أنا أشد فرحا بقدوم جعفر أم بفتح خيبر؟
وانما يكون الفرج مذموما إذا كان بدافع الحقد والشماتة ، والغرور والخيلاء ، أو يفرح الإنسان لأنه سلب ونهب ، وقتل وأفسد ، دون أن يعاقب أو يعاتب ، أو لأنه مكر وخادع ليحمد بما ليس فيه ، وانطلت حيله على البسطاء ، ففرح بتطبيلهم وتزميرهم ، الى غير ذلك من الصور التي نشاهدها هنا وهناك.
بعد هذا التمهيد نشير بايجاز الى الأقوال في هذه الآية :
(لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) قيل : انها نزلت في أحبار اليهود الذين كتموا اسم محمد وصفاته الموجودة في التوراة ، وفي الوقت نفسه يحبون أن يمدحوا بالصدق ، وانهم على ملة ابراهيم (ع).
وقيل : بل نزلت في المنافقين .. كانوا يتخلفون عن رسول الله (ص) في حروبه وغزواته ، ويتعللون بالأكاذيب ، وكان النبي (ص) يظهر القبول ، ويفرحون هم بذلك ، ويحبون أن يمدحوا بما ليس فيهم من الإيمان.
وأرجح الأقوال ان الله سبحانه بعد ان ذكر في الآية السابقة الذين أخذ الميثاق منهم الّا يكتموا الحق ، فنبذوه واشتروا به ثمنا قليلا ، بعد أن وصفهم الله بهذا الوصف فيما سبق ـ ذكرهم في هذه الآية بأنهم قد فرحوا بصنيعهم ذاك ، وأحبوا ان يمدحوا ويوصفوا بالحق والصدق ، وهم أبعد الناس عنهما.
ومهما تمادوا في الغي فإنهم لا يخرجون عن قبضة الله وقدرته ، ولا ينجون من عذابه وعقابه .. كيف؟ (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
وبهذا التفسير يدخل في الآية اليهود والنصارى الذين كتموا أمر محمد (ص) والمنافقون من المسلمين الذين أضمروا الكفر ، وأظهروا الايمان.
وتسأل : لما ذا قال تعالى : (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) بعد قوله : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ) الخ ، مع العلم بأن فاعل الفعلين واحد ، ومفعولهما واحد؟
الجواب : جاء التكرار لدفع الالتباس بعد طول الكلام ، وقد شاع اليوم هذا الاستعمال في الكتابة والاذاعة.