٣ ـ (وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها). قيل : ان من في (منها) للتبعيض ، وان المراد بزوجها حواء ، وان الله تعالى خلقها من ضلع آدم ، وقيل : بل خلقها من فضل طينته كما في بعض الروايات.
ويلاحظ بأنه لا دليل على ان من في (منها) للتبعيض ، بل يجوز أن تكون للبيان ، مثل قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) ـ ٢٠ الروم» ، وعليه يكون المعنى ان كلا من النفس الواحدة وزوجها خلق من أصل واحد ، وهذا الأصل هو التراب ، لقوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) ـ ١٩ الروم».
أما قول من قال : ان المراد بزوجها حواء فلا دليل عليه من القرآن ، حيث لم يرد لها ذكر فيه على الإطلاق.
٤ ـ (وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً). أي ونساء كثيرا ، فحذف الوصف من الثاني لدلالة الأول عليه ، ومن الطريف قول الرازي : ان وصف الرجال بالكثير ، دون النساء للتنبيه على ان اللائق بحال الرجال الاشتهار والبروز ، واللائق بحال النساء الخفاء والخمول ..
وان دل هذا التعليل على شيء فإنما يدل على ان الرازي حكم على طبيعة المرأة بما تستدعيه تقاليد المجتمع الذي تعيش فيه .. وبديهة ان هذه التقاليد تتغير وتتحول بحسب مقتضيات الزمن ، فمن الخطأ أن نأخذ منها مقياسا عاما ، وقاعدة مطردة.
ومهما يكن ، فإن المعنى واضح ، وهو ان البشر متوالد من زوجين ذكر وأنثى ، ومنهما انتشرت الملايين جيلا بعد جيل ، ويقال : ان في العالم الآن ما يزيد على ثلاثة آلاف من الملايين.
٥ ـ (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ). هذا اشارة ما يقوله بعضنا إلى بعض : سألتك بالله أن تفعل كذا. أو سألتك بالرحم أن تفعل كذا. أي سألتك بحق الله العظيم عليك ، وحق الرحم العزيز عليك ، والغرض من الأمر بتقوى الله والرحم أن نؤدي ما لهما علينا من حق ، فالآية أشبه بقوله تعالى : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) ـ ١٤ لقمان».